مأذونة عقود الأنكحة

كلما طالعت خبراً في صحفنا المحلية عن زواج القاصرات من أشخاص في سن آبائهن، أشعر بالحزن العميق على مصير القاصرات، وبالخوف الشديد من الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على مثل هذا الزواج، وأتساءل كيف يجرؤ أولياء أمورهن على سوء استخدام سلطة الولاية عليهن بتزويجهن قبل اكتمال نموهن، ودون علمهن وموافقتهن، وكيف يمكن أن تحدث هذه الممارسات الخاطئة ونحن في القرن الـ 21. وهل من أساليب وأفكار جديدة تدعم الجهود المبذولة للتقليل من إقدام مأذوني الأنكحة على هذا الزواج القاصر.
من جهة أخرى أتابع باستمرار ما تنشره الصحف المحلية من أخبار وتحقيقات حول عمل المرأة وحجم مشاركتها في سوق العمل في مجتمعنا التي لا تتجاوز ( 6 في المائة)، في الوقت الذي تشكو منه كثير من كوادرنا الوطنية النسوية من البطالة بسبب محدودية المجالات المتاحة للمرأة، وتركيزها على قطاعي التعليم والصحة، في حين أن هذين – على الرغم من أهميتهما – لا يتفقان مع ميول وقدرات واهتمامات الكثير من الكوادر النسوية المؤهلة.
وللحد من مثل هذه الظواهر السلبية، أشير إلى حكمة إدارية يفيد مضمونها "إن الإنسان يستطيع أن يلتهم الفيل إذا قطعه لقطع صغيرة" لأقدم في ضوئها حلاً عملياً بسيطاً يسهم في التقليل من عدد حالات زواج القاصرات، وفي الوقت نفسه يفتح الآفاق لفرص وظيفية جديدة للمرأة في مجتمعنا، ويتطلب المقترح تعيين عدد من الكوادر النسائية من الحاصلات على الشهادة الجامعية في العلوم الشرعية لشغل وظيفة مأذونة وفقا لضوابط واضحة ومحددة تحقق عدم ظهور أي سلبيات أو إشكاليات لا تتفق مع عقيدتنا الإسلامية، وما شجعني على طرح المقترح أمران هما: إن بعضا من الدول الإسلامية كان لها السبق في تعيين نساء للعمل مأذونات، وهما مصر والإمارات، وثانيهما: هو أن شرط الذكورة ليس منصوصا عليه في المادة السادسة من لائحة مأذوني عقود الأنكحة في السعودية والمتعلقة بالشروط الواجب توافرها فيمن يتقدم بطلب رخصة مأذون عقود الأنكحة، إذ تشترط اللائحة أن يكون المتقدم سعودياً، وأن يكون حسن السيرة والسلوك، وأن يكون حاصلاً على شهادة جامعية في العلوم الشرعية، وألا يقل عمر المتقدم عن 25 عاماً.
من المسلم به أن المرأة العاملة على اختلاف طبيعة الوظائف والمهن التي تمارسها تبذل جهداً يتسم بالدقة في عملها، وعليه فإن اقتراحي بعمل المرأة السعودية مأذونة عقود أنكحة سيسهم بشكل كبير في تشغيل كثير من العاطلات العمل ويرفع من نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، إلى جانب الدور الكبير الذي يلعبه في تفعيل جميع مواد لائحة مأذوني عقود الأنكحة وعلى رأسها المادة الـ 14 التي تنص على أن على المأذون قبل إجراء عقد النكاح التحقق من توافر الأركان والشروط وانتفاء الموانع في الزوجين وعدم مخالفة الأنظمة، فكون المأذونة أنثى يجعل من السهل عليها مقابلة العروس، والتحقق من موافقتها على الزواج، ومدى توافقها مع العريس في العمر والمؤهل والصفات الجسمية والخلقية.
قد يعترض البعض من القراء ويهاجم المقترح وكاتبته لأنه يرى أن عمل المرأة مأذونة أنكحة فيه خروج عن المألوف من العادات والتقاليد، وسيصطدم بعقبات إدارية وفنية عديدة، وسيكون مصيره الفشل, ورداً على ذلك أقدم ثلاثة أمثلة كانت تحيطها المخاوف وعدم الثقة في إمكانات المرأة السعودية، على سبيل المثال لا الحصر، المثال الأول نجاحات المرأة السعودية في العمل التربوي والتعليمي ما قبل الجامعي, والقطاع الطبي أثبتت بطلان كثير من المفاهيم الخاطئة والمخاوف التي صاحبت افتتاح مدارس البنات في عهد الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، والمثال الثاني نجاح المرأة في إدارة التعليم العالي في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أما المثال الثالث فهو نجاح المرأة في الأقسام النسائية في الأحوال المدنية، حيث يتم استخراج البطاقات الشخصية للأعداد الكبيرة من المواطنات بكل يسر وسهولة.
الحقيقة التي يجب أن ندركها هو أن المرأة السعودية تتوافر لديها القدرة على العطاء والإنتاج بكفاءة عالية في كل مجال تطرقه، وعملها الميداني في مجال عقد الأنكحة سيكون في الاتجاه نفسه ـ بإذن الله ـ ولكن ذلك مرهون بدعم المجتمع لها وتقبله وظيفتها الجديدة بتفاؤل وثقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي