السوق العقارية تعاني شح المسوقين المهرة.. العقليات التقليدية لم تعد مجدية
قال مجموعة من العقاريين والمختصين في التسويق إن التسويق العقاري بمفهومه الحديث غير موجود إلا عند عدد قليل من شركات التسويق العقاري.
معتبرين التسويق الضلع الأهم في نجاح أي مشروع عقاري لكن شركات التسويق العقارية تغفل هذا الأمر ولا توليه اهتماماً كبيراً من خلال تطبيق مفاهيم حديثة أو توفير عدد كافٍ من الكفاءات المتدربة، وانتقدوا آلية عمل شركات التسويق العقاري التي تمارس عملها بنوع من التقليدية المتوارثة دون إدخال وسائل إبداعية رغم تطور وسائل التقنية وبروز المتخصصين في مجال التسويق العام.
وقالوا إن هذه الشركات تنقصها الخبرات العلمية وتحتاج للمزيد من الاستثمار في الكفاءات البشرية وتحديد استراتيجياتها بشكل علمي واضح ، كما أنها تحتاج إلى تسهيلات مالية لتستطيع منافسة القادمين الجدد.
#4#
في البداية يقول الدكتور عبيد العبدلي أستاذ التسويق المشرف العام على كليات دار العلوم: التسويق في المملكة بصفة عامة بطيء والتسويق العقاري حتى الآن في بداياته وما زال يدار بعقلية تقليدية، فالتسويق يعتمد على دراسة السوق ودراسة رغبات وحاجات العملاء من خلال منظومة معينة بربح معين.
ويرى العبدلي أن مشكلة أغلب شركات التسوق العقاري تعود ملكيتها لأفراد، ودائماً شركات الأفراد والشركات العائلية لا تقوم على أسس علمية صحيحة بينما الشركات العقارية المساهمة لديها رؤية واضحة وعندها تخصصات معينة في مجال التسويق لكنها قليلة في السوق.
وأغلب الشركات العقار ذات الرساميل العالية تمارس نشاطات متعددة كالاستثمار والبناء والتطوير والتسويق وكل هذه النشاطات ينقصها تحديد الأهداف الواضحة كما أنها لا تهتم باستقطاب الكفاءات التسويقية وتقديم عروض مميزة للعمل لها بمهنة مسوق عقاري.
وأضاف: نحن لا نعاني قلة خريجي التسويق من الشبان السعوديين فمخرجات التسويق جيدة ومؤهلة لسوق العمل لكن ما نحتاج إليه هو وجود شركات رائدة في هذا المجال وتعرف بصدق ماذا تريد من العقار.
وقال: دخول شركات عالمية في مجال التسويق العقاري لن يقدم شيئاً لأنها قامت بإدارة محلية وجهود ذاتية، فنحن استقطبنا الأسماء العالمية ونسينا أن نأتي بالخبرات العالمية لإدارتها.
ويشير العبدلي: صناعة العقار بصفة عامة صناعة بدائية في السعودية وتحتاج إلى جهود أكبر من جهود الأفراد القائمين عليها وتحتاج إلى تدخل الدولة في قضية التوزيع العقاري ففي الوقت الذي نرى فيه طلباً كبيراً للحصول على المسكن ما زلنا نرى "احتكار القلة" أشخاص معينين يديرون هذا القطاع الكبير ويتحكمون في أسعاره.
ويضيف: نسبة قليلة من السعوديين يتملكون منزلاً، بينما في بلاد أخرى النسبة مرتفعة وذلك لوجود منتجات تمويلية يسهل على ضوئها تسويق العقار كنظام الرهن العقاري ويرى للقضاء على هذه الأزمة إنشاء شركات مساهمة برساميل كبيرة تقوم بطرح منتجات عقارية بأسعار مناسبة.
ولا يعتقد العبدلي أننا في حاجة إلى مسوقين كثر في المجال العقاري لأن هناك أدوات معينة يتحقق من خلالها فائدة كبيرة للترويج على المنتج العقاري كالإعلان واستخدام وسائل الاتصال المتعددة لتحفيز العميل أن يتوجه إليها ، لا أن تذهب إليه.ويرى أننا ما زلنا نتلمس الخطى في التسويق العقاري معتبراً مكمن الخلل ليس في عدم تخصص من يشغل وظيفة التسويق في الشركات العقارية بل في الفكر الإداري والفكر الاستراتيجي للمنظومة العقارية.
#3#
من جهته يقول خالد بن شاكر المبيض الشريك التنفيذي لشركة بصمة لإدارة العقارات: على الرغم من أن التسويق العقاري في السعودية ما زال يعاني بعض التقليدية والعشوائية إلا أن بعض الشركات أظهرت حديثاً وتميزاً بأساليب تسويقية عالمية حيث من المتوقع أن ينعكس ذلك إيجاباً على بقية شركات التسويق العقارية الأخرى من خلال خلق منافسة في الأداء.
ويعتقد في ظهور شركات عالمية في مجال التسويق العقاري مؤشراً صحياً فبدخول تلك الشركات الأجنبية وتأسيس شركات محلية متخصصة في التسويق العقاري ستعزز ثقة المستثمر العقاري مما ينعكس إيجاباً على جدوى الاستثمار في كثير من المشاريع العقارية.
ويعد المبيض التسويق الضلع الأهم في عملية نجاح أي مشروع عقاري، كما يرى في انعدام الشركات العقارية المتخصصة في التسويق المحترف تأثير كبير على نجاح تسويق كثير من المشاريع في السابق.
ويعد المبيض في تقديم خدمات التسويق العقاري والتطوير نوعاً من التضارب في الأداء كما يُحمّل الشركة أعباءً قد تؤدي إلى تأثير إحداها في الأخرى وما يحصل اليوم في الدول المتقدمة من تخصيص شركات معينة بالتسويق العقاري نتيجة إيمانهم بالتخصص والذي جاء بعد علم وتجربة كبيرة ، فالفريق التسويقي المتميز لا يمكن أن يخدم مشروعا عقاريا معينا بل يخدم مجموعه من المشاريع لأن الفريق المتميز في التسويق العقاري يعد مكلفاً إذا تم تحميله على مشروع واحد أو اثنين , كما أن الشركات التي تسوق وتستثمر لن تكون مرحب بها من قبل شركات الاستثمار العقاري الأخرى لأنها بكل بساطة تعتبرها منافسة لها في التطوير.
وقال : في هذا الوقت قد تتأثر تلك الشركات التي تعمل بالنمط التقليدي المعهود ولكن يبقى أن هناك مكاتب عقارية متخصصة في التسويق العقاري بنت لها سمعه طيبة ولها فكر متطور وينصح المبيض تلك الشركات بالتفكير في الاندماج لمواجهة هذه الشركات المتخصصة في التسويق.
ولتقويم وضع التسويق العقاري في المملكة مقارنةً بالأسواق العالمية يجيب الدكتور علي بو خمسين مدير عام مركز التنمية والتطوير الباحث الأكاديمي في الشأن العقاري: في واقع الأمر لا توجد لدينا شركات تمارس عملية التسويق العقاري بمفهومه العلمي الحديث ومعظمها تنفذ أنشطة بيع عقارية تحت اسم التسويق العقاري وقد شهدت الفترة الأخيرة بروز ظاهرة شركات التسويق العقاري بشكل كبير وهي في الغالب مكاتب عقارية طورت من شكلها القانوني لتصبح شركات بدلا من كونها مؤسسات فردية لكسب ثقة الجمهور دون أن تقوم عملياً بأي من وظائف شركات التسويق العقاري الحقيقية والتي ينبغي لها أن تسهم في تعزيز رفاهية المواطن عبر قيامها بأداء مهامها بإتباع مفهوم التسويق العقاري الحديث.
#2#
ويجزم بوخمسين بأن معظم الشركات لا تعرف مفهوم التسويق العقاري الحديث جيداً أو تعرفه وتحاول التملص من مسؤولياته الحقيقية وتكتفي بقطف ثمار منافع هذا الدور الحيوي للاقتصاد الوطني والمواطن والدولة على حد سواء.
ويضيف: يوجد لدينا بعض الشركات العاملة في هذا القطاع تدرك مفهوم التسويق العقاري الحديث وتسعى بخطوات ثابتة لتحقق وجود مستقر في السوق المحلية والعالمية وتحاول أن تستفيد من الخبرات العالمية في هذا القطاع لكنها على أية حال قليلة مقارنة بغيرها من الشركات ومكاتب التسويق المتناثرة هنا وهناك، فهناك آلاف من الأفراد والمواطنين يمارسون هذه المهنة ويتعيشون منها باعتبارها باب رزق رئيسي لهم بغض النظر عن البعض الذي
قد يمارسها كنشاط جانبي لذلك يجب أن ندرك لحجم المشكلة المتوقعة في حال دخول شركات التسويق العقاري العالمية عالية التنظيم والمجهزة بجميع وسائل النجاح ولديها خبرات كبيرة وتمويل قوي جداً في المقابل لدينا مكاتب عقارية صغيرة ومبعثرة في كل مكان لا يربطها رابط وليس بينها أي تحالفات عملية ورسمية وليس لديها إمكانات مالية وتفتقر إلى جميع مقومات النمو بل القدرة على المنافسة.
وأوضح: وظيفة شركات التسويق العقاري تتركز في أحد أهم الاحتياجات البشرية على الإطلاق وهو المسكن ونحن نعلم بأننا نعاني أزمة إسكان وهذه الشركات عليها دور كبير جدا في سد حاجة المواطن لهذه السلعة وتقديمها للمواطن باعتباره المستهلك النهائي لهذه السلعة، مضيفا إن مفهوم التسويق العقاري الحديث في غاية الأهمية ويجب أن يستوعبه جميع المتعاطين في هذا الشأن.
وقال بوخمسين: قياساً بالواقع في الأسواق العالمية فإننا نجد أن شركات التسويق العقاري عليها التزامات تؤديها تجاه المواطن باعتباره المستهلك النهائي لمنتجات السلع العقارية لهذه الشركات وهي تسعى لتحسين مخرجاتها من السلع للفوز بأكبر حصة من السوق المتاحة وفقاً لمعايير قابلة للقياس والتحقق بما ينعكس على جودة السلعة ومميزاتها وهذا قد يوجد هنا ولكن من الملاحظ أن بعض هذه الشركات تقدم معلومات غير دقيقة لمنتجاتها من السلع العقارية بما يضر المستهلك ويضر سمعة شركات التسويق العقاري بشكل عام في النهاية.
ويطالب الباحث الأكاديمي وبشدّة وضع معايير رقابية على أداء شركات التسويق العقاري معتقداً في حالة تطبيق تلك المعايير فإن ذلك سيخدم مصلحة كلا الطرفين (المستهلك والسوق).
ويرى بو خمسين عدم عدالة المقارنة بين وضع شركات التسويق العقارية المحلية والعالمية فنحن في السوق المحلية قبل سنوات معدودة هذا الاسم لم نكن نعرف هذا المصطلح ولم يتم تداوله بينما في بريطانيا بدأت شركات تسويق عقاري بممارسة نشاطها منذ بدايات القرن الـ 20 وبروز أهمية القطاع العقاري في الاقتصادات الوطنية للدول فترسية مفاهيم التسويق الحديث كمفاهيم علمية استفادت منها شركات التسويق العقارية الغربية وبالذات في أمريكا أسهمت في تأسيس مفاهيم الرفاهية الاجتماعية للمواطن وتم ربطها بدور وظيفة التسويق العقاري الحديث.
ويضيف بوخمسين: شركات التسويق العقارية العالمية لها خبرات علمية تراكمية جبارة وتتمتع بإمكانات مادية وبشرية كبيرة جداً ، أما شركاتنا المحلية فبعضها منظم وله مستقبل واعد لكن تنقصها الخبرات العلمية وتحتاج إلى المزيد من الاستثمار في الكفاءات البشرية وتحديد استراتيجياتها بشكل علمي واضح برؤية محلية وليس استيراد نماذج جاهزة من الخارج كما يعمل البعض حالياً كما تحتاج إلى تعزيز حجم التسهيلات المالية لتستطيع منافسة القادمين الجدد وأما معظم شركات التسويق العقاري الأخرى فهي إلى زوال ما لم تعيد تقييم أوضاعها بشكل حقيقي يمكنها من البقاء والنمو في ظل المنافسة القوية المرتقبة في المستقبل المنظور.
وقال إن الوضع الحالي بقيام بعض الشركات بالتسويق والاستثمار والتطوير هو عدم إدراك بين ثلاث مهمات (الاستثمار والتطوير والتسويق) من قبل المستثمرين ومن جهة أخرى هم لا يرغبون في توظيف عدد كافٍ لتأدية هذا النشاط ويعتقدون أنه تبذير.
ويرى الباحث في الشأن العقاري أن الإشكالية تكمن غياب دور الجهة الرقابية التي ينبغي عليها أن تمارس الدور الإشرافي على هذه الشركات والتي تقوم بمنحهم الترخيص لممارسة هذا النشاط التجاري فهي لا تطلب منهم توفير الكفاءات البشرية المؤهلة لمنحهم ترخيص لمهنة التسويق العقاري.
وأما بالنسبة للتأثير بسبب هذا الخلط القائم حالياً فحدث ولا حرج فستجد أن هناك تغييبا كاملا لمنافع الدور التسويقي السليم بما يخدم مصلحة المستهلك للسلعة العقارية وتجد التغليب للمنافع التي يقطفها المستثمر العقاري ونحن في الأساس لا مانع لدينا من أن يستفيد المستثمر وهذا حقه الطبيعي ولكن يجب أن تكون موازنة بين مصالح لكل أطراف العلاقة وهي المواطن(المستهلك العقاري) والمستثمر العقاري والمجتمع عموما بصفته الحاضنة الأكبر لهولاء الأفراد ولهذه الممارسات العملية الخاطئة.