تعزيز النفقات الحكومية لمعالجة الأزمة المالية
المطلوب من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تعزيز مصروفات القطاع العام، وذلك في إطار التكيف مع تداعيات الأزمة المالية العالمية. ويكمن الهدف النهائي لهذه الدعوة بتحاشي تحول القضية إلى أزمة اقتصادية تنال من النمو الاقتصادي فضلا عن تعقيد مسألة إيجاد فرص عمل جديدة للداخلين الجدد لسوق العمل، بل من شأن تعزيز نفقات القطاع العام التعويض عن التراجع المتوقع لمصروفات القطاع الخاص بسبب تصدع الثقة.
وخيرا فعلت الحكومة السعودية بإقرارها زيادة مصروفات عام 2009 بنسبة 15 في المائة عن تلك المقدرة عام 2008. كما خصصت الجهات الرسمية مبلغا متميزا قدره 60 مليار دولار للمشاريع التنموية أي نحو 47 في المائة من حجم مصروفات السنة المالية. المأمول من كل من الكويت وقطر والتي تبدأ السنة المالية في نيسان (أبريل) الاستفادة من التجربة السعودية.
تدني النمو الاقتصادي
للأسف يتوقع مسؤولون في صندوق النقد الدولي بتدني نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون من 7 في المائة في 2008 إلى نحو 5 في المائة في العام الجاري. ويعود هذا التشاؤم إلى تراجع الثقة لدى القطاع التجاري فضلا عن رغبة بعض المستهلكين بالاحتفاظ بالنقد الذي بحوزتهم، نظرا لضبابية الأوضاع الاقتصادية. وهنا تكمن أهمية تبني سياسة مالية توسعية لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة المالية.
ويخشى أن يتسبب تراجع النمو الاقتصادي بتعقيد معضلة البطالة في الدول التي تعاني أصلا معضلة توفير فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. يشار إلى أن البحرين والسعودية وعمان تعاني مشكلة البطالة في أوساط العمالة الوطنية. وبشكل أكثر تحديدا، يشكل تراجع النمو الاقتصادي تحديا لهدف حيوي للخطة التنموية الخامسة في السعودية التي تغطي الفترة من 2004 حتى 2009، وتفترض الخطة التنموية تراجع نسبة البطالة من 7 في المائة في عام 2004 إلى 2.8 في المائة مع نهاية عام 2009، ويشكل العاطلون طاقات غير مستخدمة، الأمر الذي يقلل من فرص التنمية، كما تبقى التنمية الاقتصادية قاصرة في حال عدم توفيرها سبل العيش الكريم أي فرص الحصول على وظائف تتناسب ومتطلبات المواطنين وجلهم من الشباب.
محدودية المديونية
وما يدفعنا لتوجيه دعوة لتعزيز نفقات القطاع العام هو محدودية المديونية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، ويتضمن مشروع الاتحاد النقدي والمزمع إطلاقه في عام 2010 مجموعة تشمل تقييد الدين العام بنسبة 60 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي. أيضا المطلوب ضمان عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي.
حقيقة القول، يوجد هامش مريح فيما يخص معيار المديونية العامة، حيث تبلغ نحو 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين أي الأعلى بين دول مجلس التعاون. وفيما يخص السعودية، هبط مؤشر المديونية من نحو 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى 14 في المائة في 2008 .
فوائض مالية
إضافة إلى ذلك، تتمتع موازنات دول مجلس التعاون بفوائض ليست مالية وليست العكس ما يفسح المجال أمام زيادة النفقات. على سبيل المثال وليس الحصر، حققت موازنة السعودية فائضا تاريخيا قدره 157 مليار دولار في السنة المالية 2008 أي نحو 41 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. كما حققت موازنة البحرين فائضا ماليا قدره 579 مليون دولار في 2007 أي نحو 5 في المائة من الناتج المحلي بالأسعار الجارية (لم تنشر السلطات حتى الآن نتائج السنة المالية 2008).
ما يبعث على الاطمئنان هو وجود مبالغ ضخمة بكل المقاييس في الصناديق السيادية الخليجية، حيث من الممكن صرف جانب منها في الاقتصاديات المحلية لغرض تنشيط الدورة الاقتصادية. حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، تبلغ القيمة المالية للصناديق السيادية للدول الست نحو 1500 مليار دولار (أي تريليون ونصف التريليون دولار). يعد الرقم (1500 مليار دولار) متميزا، حيث يزيد بنحو 80 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس الست مجتمعين.
مواجهة تصدع الثقة
في المقابل، يعتقد أن القيمة السوقية للصناديق هبطت في الآونة الأخيرة بسبب الأزمة المالية لكن لا يعرف على وجه الدقة حجم الخسائر المحتملة. نعتقد بالضرورة أنه قد حان موعد الاستفادة من الأموال التي تجمعت في السنوات القليلة الماضية عندما كانت أسعار النفط مرتفعة في الفترة ما بين 2003 حتى النصف الأول من 2008.
ختاما، بمقدور نفقات القطاع العام التعويض عن جانب من مشكلة تصدع الثقة لدى القطاع التجاري من جهة والمستهلكين من جهة أخرى، وتعد المصروفات الحكومية حيوية لأنها تشكل ما بين 30 إلى 35 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي. كما نرى صواب الدعوات القائلة بعدم التركيز على الأمور الحسابية (مثل الارتفاع النسبي للمديونية العامة) في حال زيادة النفقات. طبعا البديل هو السماح للأزمة المالية بالتحول إلى معضلة اقتصادية ذات أبعاد غير واضحة المعالم.