الخرطوم تهتز حزنا لرحيل الروائي الطيب صالح

الخرطوم تهتز حزنا لرحيل الروائي الطيب صالح
الخرطوم تهتز حزنا لرحيل الروائي الطيب صالح
الخرطوم تهتز حزنا لرحيل الروائي الطيب صالح
الخرطوم تهتز حزنا لرحيل الروائي الطيب صالح

فوجئت الأوساط الأدبية والمهتمون بالنشاطات الثقافية بوفاة الروائي السوداني الطيب صالح صباح أمس، في العاصمة البريطانية لندن.
#2#
حيث رحل الأديب الصالح عن عمر يناهز الثمانين عاما. ورى لـ "الاقتصادية" شاهد عيان من شوارع الخرطوم تجمع عديد من المواطنين السودانيين، في كبرى المكتبات الثقافية في المدينة، إضافة إلى الساحات الشهيرة فيها لمتابعة خبر الوفاة.
#3#
وقال صديقه النجم المسرحي علي مهدي إن الطيب صالح فارق الحياة ليل الثلاثاء ـ الأربعاء في أحد المستشفيات في لندن حيث كان يقيم. كما نعت الرئاسة السودانية الفقيد وأوضح بيان صادر من محجوب فضل السكرتير الصحافي للرئاسة السودانية أن الفقيد كان له الدور الكبير فى نشر الأدب والثقافة السودانية فى مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته الرائعة التى ترجم عديد منها إلى اللغات العالمية.
#4#
ويعد صالح من أكبر الأدباء العرب في القرن الـ 20، وهو صاحب الرواية الشهيرة "موسم الهجرة إلى الشمال"، التي صدرت في نهاية الستينيات، وترجمت إلى لغات عدة من بينها الفرنسية والإنجليزية. وهي من الأعمال العربية الأولى التي تناولت لقاء الثقافات وتفاعلها، وصورة الآخر بعيون العربي والشرقي بعيون الآخر الذي ينظر اليه كشخص قادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض. وصنفت الرواية كواحدة من أفضل مائة رواية في العالم، ونالت عديدا من الجوائز واكسبته شهرة لمدة 40 عاما، التي استحق عنها لقب "عبقري الرواية العربية" على حد وصف الناقد المصري الراحل رجاء النقاش. ومن رواياته التي اكتسبت شهرة "عرس الزين"، التي تنقل إلى القارئ أجواء الريف السوداني وشخصياته ونوادره. كما كتب أيضا روايات "مريود" و " "ضو البيت" و " دومة ود حامد"، وبندر شاه. وقبل رحيله بنحو شهرين كانت مجموعة من المؤسسات الثقافية في الخرطوم، بينها اتحاد الكتاب السودانيين ومركز عبد الكريم ميرغني الثقافي قد بعثت برسالة إلى الأكاديمية السويدية ترشح صالح لنيل جائزة نوبل للأدب. يجمع النقاد على اختلاف اتجاهاتهم على أن الروائي السوداني الطيب صالح، الذي رحل عن عالمنا، قد غزا العالمية مثلما غزا مصطفى سعيد بطل روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" أوروبا، بشوارعها وحاناتها ومؤسساتها الأكاديمية، وإن كان لم يستطع ان يغزو صورتها النمطية عن عالمه الغرائبي الذي تسكنه الصحراء بغموضها وأسرارها وحكاياتها الرومانسية. وتمكن صالح من جعل شخصياته المغرقة في محليتها تنطق بلغات يفهمها القارئ حتى وإن عجز عن فهم مفرداتها الريفية السودانية. ونقل لنا في "عرس الزين" و"دومة ود حامد" أجواء القرية السودانية بحيوية جعلت الشخصيات تتحرك بأبعاد ثلاثة، وفي "موسم الهجرة إلى الشمال" سلط الأضواء متعمدا على تناقضات المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية لمجتمعه، كما كشف، ربما دون قصد منه، إشكالية الإسقاط الذي يمارسها الشرقي (العربي) على الآخر. في جميع أعماله تبرز موهبته الفذة في تشكيل الشخصيات وتصوير البيئة التي تتحرك فيها والخلفيات التي جاءت منها من خلال حوار ينبض بالحياة، حتى وإن كان مغرقا في المحلية. وإن كانت الجرأة التي اقتحم بها بطل الرواية (مصطفى سعيد) عالم الآخر أوقعته (هو أم الكاتب ؟ سؤال صعب سأحاول الإجابة عن فيما يلي) في مطب وقع فيه روائيون كبار آخرون، قبله وبعده: مطب التعامل مع الآخر روائيا، رسم شخصيته وحواراته ومواقفه. وفي رائعته"موسم الهجرة إلى الشمال" نرصد مستويين للهجرة الحركة أوربما نستطيع القول إن هناك مستوى للحركة وآخر للسكون: مصطفى سعيد غزا عالم الآخر، أما الآخر فقد بقي حبيسا للصورة النمطية للمثقف العربي عنه، مصطفى سعيد وصل الى عقر دارهم، عبر الصحاري والبحار، أما جين موريس ورفاقها فقد بقوا تحت شجرة نخيل في قرية مصطفى على ضفاف النيل. والشخصيات السودانية في تلك الرواية تتكلم بطلاقة ويصل صوتها بمنتهى الوضوح والقوة سواء كانت في حقل قطن أو في سهرة تعمرها أصداء الضحكات الماجنة بفعل النكات الإباحية ، أو في حانة لندنية . والملامح السودانية مرسومة بوضوح وإقناع واقتدار، أما شخصية "الآخر" فتمر بعملية ترشيح معقدة تنتهي بها لأن تصبح ظلا لنفسها وتجسيدا للمفهوم المشوش للمثقف العربي عنها. الفتيات والنساء يتساقطن تحت أقدام هذا الشاب الأسمر القادم من أدغال إفريقيا، والفضول يقتلها للإطلال على عالمه المسكون ببخور الصندل وحكايات الحب، وهو يمارس سحره الشرقي الطاغي للإيقاع بالفريسة تلو الأخرى. وكذلك الحوار بين الشخصيات السودانية من الإقناع بحيث يجسدها بجذورها وثقافتها وأصولها الاجتماعية، وحوار الشخصيات الإنجليزية باهت ومغترب عن ذاته. وموقف الآخر، الأبيض، الاستعلائي، المستعمر، يتغير على يد الكاتب إلى فضول وجاذبية وحب، والعربي الأسمر، مصطفى سعيد، له اليد العليا دائما، خاصة مع الجنس الآخر الذي يطغى حضوره ممثلا للآخر، وهو انعكاس واضح للتفكير الشرقي الذي لا يرى بقعة أعرض من السرير لتفاعله مع الآخر الذي لا وجود له بالنسبة له خارج السياق الجنسي. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل استخدم الكاتب كل ما سبق لالقاء الضوء على التشوش الذي يشوب علاقة العربي مع الآخر وتصوره عنه أم أنه وقع في المطب ذاته ؟ المفروض أن الإنسان العربي حين يخرج من عالم مسلماته يواجه أزمة ثقة بالنفس تدفعه أحيانا الى التقوقع على ذاته وفي أحيان أخرى الى اتخاذ خطوات وجلة مترددة باتجاه الآخر، وتفتقر العلاقة الى التكافؤ، لمصلحة الآخر. هذا هو ما يفترضه المنطق ويؤيده الواقع، أما في عالم الرواية العربية، وليس عند الطيب صالح فقط، فنجد العربي هو السيد في العلاقة، خاصة إذا كان الطرف الآخر أنثى من المفروض أنها تتحرك بثقة أكبر في النفس في فضاء مألوف لديها بينما هو بالكاد بدأ رحلة استكشافه، سواء على المستوى العاطفي أو الجنسي. إذن هل وقع الطيب صالح في المطب أم استخدم ما سبق ببراعة على سبيل السخرية من المثقف العربي ليصوره مغرورا، ونرجسيا منغلقا على ذاته ؟ ومن الصعب الجزم، وهذا مؤشر لجودة الرواية وليس العكس، فقديما قالوا: العمل الأدبي الجيد قد يكون غامضا، ولكن لا يجوز أن يكون مضللا. ودائما ما يقارن نقاد عرب بين صالح والأديب المصري الراحل يحيى حقي من جهة وبين معظم الكتاب من جهة أخرى، إذ امتلك حقي وصالح شجاعة التوقف عن الكتابة الإبداعية مثل أي لاعب بارز يستشعر أنه لن يقدم أفضل مما سبق أن قدمه فيؤثر الاعتزال. وقال الروائي عزت القمحاوي مدير تحرير صحيفة "أخبار الأدب" المصرية لـ "رويترز" إن أبرز ما يميز صالح أن عنده حساسية كاتب "فعندما وجد أنه ينبغي عليه أن يتوقف عن كتابة الإبداع توقف بالفعل. وقد امتحنت أعماله في وجوده إذ ظل موجودا في المشهد الإبداعي العربي رغم توقفه عن الكتابة. ولم يكف صالح عن الانخراط في القضايا السياسية من خلال مقالات ظل ينشرها في بعض الصحف والمجلات حتى أيامه الأخيرة. وفي مجال الصحافة كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عمودا أسبوعيا في مجلة "المجلة" في زاوية "نحو أفق بعيد"، وكان آخر مقال كتبه فيها بعنوان "هامبورج أرواح صديقة تشاركك الغبطة". يذكر أن الطيب صالح ولد في قرية كرمكول شمالي السودان عام 1929 ثم انتقل إلى الخرطوم للدراسة في كلية العلوم حيث التحق بالجامعة التي لم يتم دراسته فيها. وغادر السودان الى بريطانيا عام 1952، وعمل في القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية "بي. بي. سي.، حيث شغل منصب مدير قسم الدراما. وعمل أيضا في وزارة الإعلام القطرية في الدوحة ثم تولى منصبا في مقر "اليونيسكو" في باريس.

الأكثر قراءة