تقدم جامعاتنا .. التدريب بدلا عن التدريس !

تقدم جامعاتنا .. التدريب بدلا عن التدريس !

تقدم جامعاتنا .. التدريب بدلا عن التدريس !

في عصر "ما بعد الجودة" أو مرحلة ما يسمى بـ"الانتفاع من مقاييس الجودة" وعصر "إدارة المعرفة" تتحمل الجامعات في كل مجتمع مسؤولية الارتقاء بـ"المعرفة" و"الفكر المعرفي" إلى أحدث ما وصل إليه المتقدمون في هذا المجال.
التدريس في الجامعات يمثل ركيزة من ركائز النهوض بالمجتمعات البشرية، ولهذا ترتبط فرضية التطور المادي والأخلاقي لأي مجتمع من المجتمعات بطبيعة النظريات العلمية، والاكتشافات الجديدة، والقواعد المفسرة للسلوك البشري التي يتوصل إليها الباحثون والمتخصصون في مجالاتهم العلمية المختلفة، أي أن التقدم مرتبط بطبيعة البيئة العلمية في المجتمع.
ومن هنا فإن تطور البيئة العلمية مرتبط أيضا بالطرق المعتمدة لتبادل الأفكار والمعلومات والمهارات، ومدى ارتباطها بحاجات المجتمع، التي يمكن الوصول إليها من خلال النماذج المعتمدة عالميا عند من شهد لهم خالقهم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) ثم ندمجها في النماذج الخاصة التي قررها الأصوليون (الضروريات والحاجيات والتحسينيات) حتى لا نغفل مثلهم عن المستقبل الحقيقي.
بعد نجاحنا في هذه الخطوة الكبيرة والمفصلية، يتطلب النهوض بوظيفة التدريس في الجامعات؛ التحول إلى فكرة التدريب بدلا عن الطرق التقليدية (التدريس)، وتستند عملية نجاح هذه الخطوة على حجم التقنيات المستخدمة في عملية تبادل الأفكار والمعلومات والمهارات، كونها أبرز المدخلات التي تهيئ لبيئة تدريبية عالية الجودة.
إذا وصلنا لهذه الوضعية (تحديد الاحتياجات بشكل دوري، جودة البيئة التعليمية، جودة التقنيات ومواكبة تطوراتها) ستنطلق "عملية حتمية" واسعة النطاق للنهوض بأداء المدرب (أستاذ الجامعة)، تبدأ من اقتناعه شخصيا بضرورة مواكبة عصره، فنحن أمة (العلم للعمل)، وتنتهي بخضوع المدرب لعمليات تقييم مستمرة، ومتطورة هي الأخرى، ينفذها مقيمون يحملون مهارات متجددة.
إن المخلصين في جامعاتنا غالبا ما يتساءلون عن أسباب ضعف طموح بعض الطلاب، وتقاعس الأجيال الناشئة، وغيابهم عن واقعهم، وزهدهم في المعرفة، وهذه الأسئلة المريرة تحكي واقعا نحن جزء منه، بل أحد أبرز أسبابه عندما لا يجد الطالب في الجامعة أي جديد، وعندما لا يملك الأستاذ أفكارا ومعلومات ومهارات (يعرضها) أمام الطلاب ليختاروا منها.
هذا الطموح يجب أن يكون شخصيا لأستاذ الجامعة قبل أن يكون فرضا تمليه الأمانة الأكاديمية، وكلما تأخرت جامعاتنا في الوصول إلى هذا الواقع فهي تسهم في تأجيل نهوض مجتمعنا إلى المكانة التي تتناسب مع مخزونه الروحي والعقلي والمادي.
إن تقدم جامعاتنا يجب أن يقاس من خلال ما يجري في قاعات التدريب (وليس التدريس) وكيفيته، وحجم ما يتم تبادله من الأفكار والمعلومات والمهارات، لا أن يقاس بحجم الملف الصحفي! في زمن ضعفت فيه أمانة الكلمة وأبدعت العلاقات العامة في صناعة الأمجاد الوهمية!

د. ياسر بن علي الشهري
أكاديمي وكاتب سعودي

الأكثر قراءة