يا بلدية جدة اتركوا الناس في حالهم!
صحيح جدة ليست لندن ولا باريس.. ولا هي القاهرة ولا بيروت، ولكن ليس معنى ذلك أن تتحول إلى سجن كبير.. أو كهف عميق.. وليس معنى ذلك أن نمنع سكانها من النفس والتنفيس.. وأن نضيق عليهم الخناق حتى يختنقوا.. وأن نبحث عن أي ثغرة للترويح فنسارع إلى سدها.
جدة بلا مسارح أو سينما أو كازينوهات أو كافتيريات.. بها يا دوب بعض المقاهي التي تجمع الأصحاب ليروحوا عن أنفسهم بالحديث.. وتبادل المنافع إن وجدت.. ولكن حتى هذه المقاهي الغلبانة يسارع مجلس بلدي جدة فيتقدم باقتراح بإغلاقها ونقلها خارج النطاق السكاني مع التوصية بمنع التدخين والمعسلات داخل هذه المقاهي ومحال الإنترنت.
وستقوم بلدية جدة بتشكيل فريق عمل لتنفيذ هذه التوصيات خلال خطة زمنية متدرجة.
وعندما تسمع عن فريق عمل تظن على الفور أن هذا الفريق سيقوم بتفقد العشوائيات.. أو الصرف الصحي.. أو أزمة الكورنيش أو.. أو عشرات المشكلات التي بح صوتنا وصوت غيرنا في التنبيه إلى خطورتها على الحياة في جدة.. ولكنك ستفاجأ أن فريق العمل هذا مهمته البحث في الشوارع والحواري عن المقاهي الشعبية وإغلاقها وتشريد أصحابها ومطاردة روادها.. كأن هذه المقاهي مقار لعصابات المافيا وليست فقط لا غير متنفسا وحيدا للسكان المساكين الذين ينقصهم الترويح بمجمع وسائله.. وستقوم اللجنة طبعا بالبحث عن أماكن خارج المدينة، ولعلها تشترط تأشيرة سفر إليها.
إنه – المجلس البلدي – يظن أن المقاهي مظهر من مظاهر التخلف يجب القضاء عليه.. فليعرف المجلس الموقر أن المقاهي من أبرز معالم الحياة في أوروبا وأمريكا في الشوارع حينما سرت في باريس وفي قلب الشانزليزيه.. في لندن في أكسفورد ستريت .. وفي آب رود وعلى شواطئ التايمز مقاه من كل نوع.. حيث يدخن الناس السجائر والشيشة والمعسل ما دام في الهواء الطلق.. فالتحريم يسري على المناطق المغلقة فقط.
إن المقاهي والسهر سمة من سمات جدة وهي ملامح محترمة اكتسبت أصالتها من التاريخ، وحرام طمس هذه الملامح أو المعالم.
اتركوا الناس في حالهم.. اتركوا المكان الوحيد الذي يتنفس فيه الناس.. ووجهوا فريق العمل المذكور إلى عمل ينفع الناس.