تقرير صندوق النقد الدولي حول قطر
أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا إيجابيا في مجمله حول أداء وآفاق الاقتصاد القطري. واللافت في الأمر هو توقع الصندوق حدوث تطورات إيجابية في الاقتصاد القطري رغم تداعيات الأزمة المالية العالمية المستمرة. يشار إلى أن الأزمة انطلقت من الولايات المتحدة في الربع الأخير من عام 2008 وذلك على خلفية قيام مؤسسات وبنوك استثمارية أمريكية بتقديم قروض لأفراد لا يتمتعون بملاءة مالية حسنة لكن لديهم الاستعداد لدفع نسب فوائد عالية وتحمل رسوم إدارية مكلفة. في المقابل، انكشفت الأزمة بعد أن تبين عدم قدرة نسبة غير قليلة من المقترضين على تسديد الديون المترتبة عليهم.
من بين الأمور الأخرى، ذكر التقرير الذي صدر قبل أيام أن الاقتصاد القطري حقق نموا حقيقيا قدره 16 في المائة في عام 2008. في المقابل، عانى الاقتصاد من نسبة تضخم قدرها 15 في المائة في السنة نفسها. وعليه حقق الاقتصاد القطري نموا اسميا بواقع 29 في المائة في العام الماضي وهي نتيجة متميزة بكل المقاييس.
صناعة الغاز
ربط صندوق النقد الدولي هذا الأداء المتميز للاقتصاد القطري بالتطورات الإيجابية في قطاع الغاز على وجه التحديد. تعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بعد أن نجحت في تخطي إندونيسيا في السنوات القليلة الماضية. يبلغ حجم الإنتاج نحو 38 مليون طن في السنة في الوقت الحاضر موجها للخارج. والأهم من ذلك، تعمل قطر على زيادة إنتاجها إلى 77 مليون طن سنويا مع حلول عام 2012. لدى قطر زبائن للشراء يشملون مؤسسات في اليابان، كوريا الجنوبية، إسبانيا، بريطانيا، والولايات المتحدة. تمتلك قطر ثالث أكبر مخزون للغاز الطبيعي على مستوى العالم بعد روسيا وإيران. لكن يسجل لقطر نجاحها في استقطاب شركات غربية وخصوصا من الولايات المتحدة لتطوير صناعة الغاز فيها بواسطة أحدث أساليب التقنية.
وكانت قطر قد قامت في العقد الماضي بدعوة الشركات الدولية العاملة في مجال الطاقة للمساهمة في تطوير صناعة الغاز. وقررت السلطات القطرية الذهاب للأسواق الدولية للحصول على التمويل اللازم لتطوير قطاع الغاز. بمعنى آخر، تجنبت السلطات القطرية أخذ التسهيلات الائتمانية لأغراض استهلاكية.
تحديات اقتصادية
من جهة أخرى، أشار التقرير إلى بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد القطري في الوقت الحاضر. وتتمثل هذه التحديات في خفض معدل التضخم القطري المرتفع ومواصلة حماية الاقتصاد من الأزمة المالية العالمية، وضمان أن سرعة نمو الائتمان لا تقوض السلامة المصرفية وتنويع موارد الاقتصاد. وفي كل الأحوال، توقع الصندوق تسجيل تراجع في مستوى التضخم في قطر في عام 2009 وذلك على خلفية التراجع العالمي للأسعار بسبب تدني الطلب كنتيجة مباشرة لتداعيات الأزمة المالية العالمية.
المطلوب من السلطات القطرية توظيف الفوائض النفطية التي تحققت في السنوات القليلة الماضية في تنويع الاقتصاد بعيدا عن القطاع النفطي. وقد اتخذت السلطات سلسلة قرارات في الآونة الأخيرة تهدف في مجملها مستفيدة من صندوقها السيادي. حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، يبلغ حجم الصندوق السيادي لقطر نحو 48 مليار دولار. على سبيل المثال، قررت قطر أخيرا شراء حصة في مصرف باركليز البريطاني. وكان البنك قد كشف عن رغبته في استقطاب مستثمرين من دول مجلس التعاون على وجه التحديد لمساعدته على تعزيز أوضاعه المالية.
تطورات إيجابية
حديثا نجحت قطر في تحقيق نتائج إيجابية في مؤشرات دولية مختلفة. فقد تقدمت بواقع 18 مرة على التقرير الأخير حول الحرية الاقتصادية. وجاء ترتيب قطر في المركز رقم 48 دوليا على مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2009 الصادر من قبل مؤسسة هيريتاج فاونديشن وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكيتين.
يعتمد مؤشر الحرية الاقتصادية التقرير على عشرة متغيرات تنصب في مجال الحرية الاقتصادية وهي: (1) تأسيس الأعمال. (2) ممارسة التجارة. (3) السياسة النقدية مثل مستوى الضرائب والاقتراض الحكومي. 4) السياسة المالية مثل السيولة ومعدلات الفائدة. (5) التدخل الحكومي في الاقتصاد. (6) الاستثمارات الأجنبية. (7) النظام المصرفي والتمويل. (8) حقوق الملكية. (9) الفساد المالي والإداري. (10) توظيف وتسريح العمال. جمعت قطر جميع النقاط الممنوحة لمتغير السياسة النقدية وذلك على خلفية عدم فرض ضرائب على الشركات والأفراد. كما حصلت على ثاني أفضل نتيجة (82 في المائة) بالنسبة لمعيار ممارسة التجارة. وخسرت قطر بعض النقاط لأسباب مثل فرض ضرائب على الواردات وضرورة الحصول على تراخيص للاستيراد من الخارج، ما يزيد من أعباء تكلفة الممارسة التجارية.
ختاما تتميز قطر دوليا فيما يخص مستوى دخل الفرد من الناتج المحلي. فحسب تقرير التنمية البشرية لعام 2008 يبلغ نصيب دخل الفرد في قطر حسب مفهوم القوة الشرائية نحو 73 ألف دولار في السنة أي المرتبة الثانية دوليا بعد لوكسمبورج. يزيد متوسط دخل الفرد في لوكسمبورج على 77 ألف دولار في السنة حسب مفهوم القوة الشرائية. لا شك يعد مستوى الدخل شهادة دولية على نجاح السلطات القطرية في توظيف مقدرات البلاد بطريقة متميزة.