الحب الكبير
عماد عمر سرحان:
في الوقت الذي يرفض فيه الكثيرون في عالمنا العربي فكرة تعدد الزوجات ويعارضونها بشدة, تخرج أصوات من الغرب تدعوا للتعدد. المسلسل الأمريكي "الحب الكبير" أحد أكبر الأمثلة على ذلك. فالمسلسل الذي يعرض في موسمه الثالث الأن على شبكات التلفزة الأمريكية يتعرض بشكل تفصيلي للأسرة متعددة الزوجات من خلال أحداث دراميه أقرب للواقع تحكي قصة زوج مع زوجاته الثلاث وابنائهم السبعة يعيشون تقريبا في بيت واحد يمارسون هذا النوع من الزواج كأحد معتقداتهم الدينية فهم منتمون الي طائفة مسيحية مؤمنة بأن التعدد هو الأصل في الديانة المسيحية وأن الكنيسة قد غيرت من التعاليم الدينية المتعلقة بذلك لأسباب سياسية. ويمارس هذا النوع من الزواج ما يقارب الـ 40 ألف أسرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنه غير قانوى.
ورغم أن هذا العمل الدرامي لا يعتبر عملا مثاليا يقتدي به, لكن الحقيقة المرة أن Big Love يعرض للمفهوم الأفرب للصواب لتعددية الزوجات ولمبادئ الحب الحقيقي التي اختفت عن أعمالنا الدرامية العربية التي تتعرض للتعدد وأيضا فيمن يمارسون التعدد في مجتمعاتنا العربية, كالتعاون بين الزوجات في إدارة شؤون المنزل والأسرة أو مسارعة إحداهن الي مساعدة الأخرى عندما تقع في ورطة أو مشكلة ما أو إيثار إحداهن على الأخري عندما تجدها في حاجة الي شئ تملكه حتى لو كان وقتها المخصص لها مع زوجها أو الإشتياق والحنان الكبير من الزوج لزوحاته وأولاده جميعا أو تلك العلاقة الجميلة التي تربط الأولاد في هذه الأسرة مع بعضهم البعض.
ولعل أكثر ما يركز عليه "الحب الكبير" من خلال أحداثه هو الأسرة الكبيرة الممتدة. ففي الوقت الذي يفقد فيه المجتمع الأمريكي مفهوم الأسرة أصلا, يأتي هذا العمل الدرامي ليدعوا الي شكل من أشكال الأسر الكبيرة الحجم والممتدة على أجيال كثيرة. فيعطي صورة للزوج وزوجاته وعائلاتهم -والتي هي بدورها تنتهج ذات الأسلوب في الحياة الزوجية – إضافة الي أولادهم وأحفادهم.
إنه الحب الكبير الذي يحاول أن يعرضه العمل الدرامي دون مثالية فهو يصور لحظات المحبة والعطاء وأيضا وفي ذات الوقت الخلاقات والنزاعات والصراعات على حد سواء. فالغيرة بين الزوجات والنزاعات فيما بينهن والخلافات بين العائلات هي من ملامح أحداث هذا المسلسل.
الغريب والمحزن في الأمر أن ما يعرض له هذا العمل الدرامي الأمريكي هو أصيل في مجتمعاتنا العربية لكنه اندثر ولم يعد موجودا. فلم يعد الإيثار لغة بين الناس ليكون لغة بين زوجتين لرجل واحد ولم يعد أحدنا يفكر بأقاربه حتي يهتم ببناء أسرة ممتدة ولم تعد قلوب النساء لدينا تحمل ذلك الحب الكبير الذي يجعلها تحتضن أسرة بهذا الشكل ولم يعد الرجل يملك ذلك الحنان الذي يعينه على مقاومة شهوته . إننا ندعي الحب والإيثار والعطاء لكن عندما تتعارض هذه المفاهيم مع أنانيتنا وحبنا للتملك فلا يبقي من هذا كله شئ.
تري هل سيأتي اليوم الذي نستورد فيه من الغرب مفهوم الأسرة المتعددة رغم أنها أصيلة فينا كما أستوردنا من قبل عيد الحب ونظاما اقتصاديا فاسدا وانفلاتا أخلاقيا بدعوى الحرية.....ربما!