حماية البيئة والجهد المشتت!
لا أحد يستطيع أن يتجاهل تلك الجهود الكبيرة التي تبذل من أكثر من جهة لحماية البيئة، والحياة الفطرية، لكنها في المقابل أيّا كانت لا تزال تحتاج إلى الكثير.
وحالة التصحر الحادة التي تشهدها بلادنا تؤكد هذه الحقيقة، بل لعلها تعيد موضعتها في سلم أولوياتنا لتصبح إحدى أهمّ تلك الأولويات.
غير أن الملاحظ في هذا الإطار أن هنالك أكثر من جهة تعنى بقضايا البيئة والحياة الفطرية، مما يشتت الجهود، ويقلل من قيمتها سواء على مستوى القرار، أو على مستوى التنفيذ، فالهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية تهتم فقط بالمحميات وتنظيم قواعد الصيد للمحافظة على الطرائد مما يسمى الصيد الجائر الذي غيّب كثيرا من الطيور والحيوانات البرية وأدّى إلى انقراضها تقريبا.
ووزارة الزراعة تهتم بالمراعي، والغطاء النباتي على هامش مسؤولياتها، وهو اهتمام لا يتجاوز في الأغلب الأعمّ منع التعديات والملكيات الخاصة من ابتلاع المراعي، دون أن يبلغ العناية بها من حيث دراسة مشكلات الغطاء النباتي، ووضع الحلول لتجنيبه ما أصابه من الوهن بفعل المخلفات والعبث الإنساني، الذي يدمر الغطاء النباتي، ويزيد رقعة التصحر.
فيما تتولى الأمانات والبلديات ما يتصل بحماية البيئة من جانب مراقبة المطاعم ومحال تغيير الزيوت والورش وما إليها. في حين تستقل وزارة الصناعة بكل ما يتصل بالمصانع وما تخلفه من العوادم بعيدا عن الجهات الأخرى.
يضاف إلى كل هذا ما يتصل بالدور الوقائي لوزارة الصحة، والذي لا يُمكن فصله عن مسائل البيئة، كونها الحاضن الرئيس لأي عمل وقائي جاد.
هذا الواقع المشتت، الذي يدخل في مجمله تحت عنوان واحد هو البيئة، أدى إلى حالة من الاتكالية كانت ضحيتها الأولى والأخيرة هي البيئة التي لا تعرف إلى أيّ أب تنتسب لتلقي بهمومها الكثيرة إليه، وكان الأولى أن تكون هناك مرجعية واحدة يُعهد إليها بكل ما يتصل بالبيئة وموجوداتها سواء كانت حيوانا أو نباتا، وكل ما قد يعتريها سواء من العبث البشري أو الملوثات أو سوء الاستخدام، لتستطيع هذه الجهة المفترضة أن تتبنى استراتيجية واضحة ومترابطة تمكنها من التصدي لهموم البيئة ومشكلاتها الكثيرة، خاصة أن قضايا البيئة لا يُمكن أن يتم فصلها عن بعضها بعضا، لأنها أشبه ما تكون بالمنظومة المتصلة الحلقات، إن أردنا لها أن تبلغ أهدافها.
ومن يقيض له أن يتسلل إلى بعض أطراف المدن، وتحديدا تلك الزوايا الخفية البعيدة نسبيا عن الطرق العامة، ويشاهد كيف ترمى تلك الحيوانات النافقة والإطارات المهترئة، والمخلفات الضارة من زيوت التشحيم وغيرها، يدرك أننا نتعامل مع واقعنا البيئي وفق منظور سطحي، وهو أن ما غاب عن العين لن يحفل به أحد، وكأن التأثير لا يكون إلا مما تراه أعيننا وحسب!، وهو واقع مؤسف يشبه من يرتدي ثيابا بيضاء نظيفة على ملابس داخلية متسخة، ويتساءل عن علة إصابته بالمرض.
في المقابل, تتعرض البيئة لكثير من الانتهاكات ليس أقلها تطاير أكياس النايلون وأوعية الشعير وبعض الأسمدة الكيماوية التي يستخدمها المزارعون، والتي تتطاير هنا وهناك، وهي المصنوعة من مواد غير قابلة للتحلل، حيث تفتك بالغطاء النباتي بشكل جائر، دون أن تكون هناك أيّ معالجات من أيّ نوع من الجهات المعنية، حتى ولو على مستوى التوعية الجادة التي ترفع من وعي الناس بحجم أضرارها ليس على البيئة وحدها، وإنما حتى على الإنسان، رغم أنه لا يُمكن في الأساس الفصل ما بين البيئة والإنسان بأيّ حال.
من هنا نصل إلى القول إننا اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى مطالبون بإعادة النظر في واقعنا البيئي، وإعادة تصحيحه، ولعل الخطوة الأولى تبدأ من توحيد تلك الجهود المبعثرة، من خلال هيئة وطنية لحماية البيئة تلتئم فيها كل المسؤوليات التي تتقاذفها أكثر من جهة، لتنبني عليها خطة استراتيجية كبرى تعيد ربط حلقاتها بعضها بعضا، وتعمل بالتعاون مع وسائل التوعية في التربية والإعلام لخلق واقع بيئي أفضل، لا تضيع بعض تفاصيله بين كل هذه الجهات.