Author

التسلط الذكوري وليس العنف الأسري

|
تابعت خلال السنوات الثلاث الماضية التركيز الإعلامي على المشكلات الأسرية التي تعيشها بعض الأسر السعودية وأغلب من كتب عن العنف الأسري في السعودية لم يفرق بين التسلط الأسري والعنف الأسري, التسلط الأسري هو المعضلة الحقيقية التي تواجه بعض الأسر والتسلط هنا يغلب عليه مفهوم التسلط الذكوري، حيث يلجأ بعض الرجال وللأسف إلى استخدام السلطة الأسرية المعطاة له من المجتمع للإضرار بأفراد أسرته خصوصا زوجته عندما يكون هناك أي خلاف عائلي سواء مع الزوجة مباشرة أو أحد أفراد أسرتها أو ربما مع أحد أبنائها أو بناتها، نجد الزوج يستخدم حقه الأسري في إساءة التعامل ووضع الكثير من العقد والمشكلات في طريق زوجته حتى أنه يستخدم أطفاله لهذا الغرض دون رحمة أو شفقة عليهم أو على زوجته والأمثلة في هذا المجال كثيرة من أهمها منع الأطفال من رؤية والدتهم لسنوات أو إذلالها في كل مرة تحاول أن تلتقي بهم حتى ولو كان معها صك شرعي بذلك، كما أن الأطفال يستغلون في هذه الحرب الأسرية بشكل مخجل مثل امتناع والدهم عن ضمهم في دفتر العائلة مما يعوق الأطفال عن إكمال تعليمهم إلى آخره من المضايقات التي تتعرض لها الأسرة بما فيها الاعتداء بالضرب سواء على الزوجة أو الأطفال لأتفه الأسباب مستغلا في ذلك الزوج تغاضي المجتمع عن مثل هذه التصرفات على أساس أنه المربي للأسرة والأدرى بشؤونها الحياتية حتى أن بعض الأسر تؤكد على بناتها بعدم الشكوى من الأزواج المتسلطين على أساس أن هذا التسلط هو حق ذكوري وهب للرجل على المرأة والأطفال دون مساءلة أو محاسبة، وهذا الاعتقاد والفكر الخاطئ من الأسرة أو الزوج أو الزوجة ينعكس على شكل عنف أسري ومع أن ذلك ولله الحمد ليس ظاهرة في المجتمع السعودي إلا أنه يبرز أحيانا كظاهرة عندما يتكرر ذلك ويعرض على صفحات الجرائد على أنه عنف أسري وهو في الواقع تسلط ذكوري يحتاج إلى تطوير وتأكيد ثقافة الأسرة والاهتمام بها ودور الوالدين فيها بحق متساو دون استخدام السلطة التعسفية من قبل الزوج في الغالب ضد الزوجة والأطفال. العنف الأسري في المقابل ظاهرة جديدة ومتزايدة في المجتمع السعودي تصل في أبشع صورها عندما يغتال الأب طفلته الصغيرة من خلال الاعتداء الجنسي الوحشي عليها المصاحب بالضرب والحرق والسجن وغيرها من التصرفات الوحشية التي تدمي القلب قبل العين مرورا بالاعتداء على الوالدين والجيران وغيرها من السلوكيات المشينة والمستغربة على المجتمع السعودي المسلم، ومع أنني أقول إنها مستغربة على المجتمع السعودي إلا أن أسبابها ومن دراسات استطلاعية وليست بحثية أغلبها بسبب المخدرات التي غزت المجتمع السعودي بشكل يمكن أن يرقى وللأسف إلى ما يمكن تسميته ظاهرة جديدة ومستغربه على المجتمع السعودي، فالدراسات الاستطلاعية والآراء الشخصية تذكر أن المخدرات أصبحت موجودة في بعض المنازل بأنواعها المختلفة ولم تترك رجلا أو امرأة وإنما أصبحت تشمل مختلف الأعمار والأجناس هذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة هي التي تقف بشكل مباشر وغير مباشر خلف ما يمكن أن نسميه العنف الأسري حتى وإن جاءت حالات من العنف الأسري أصحابها من غير مستخدمي المخدرات إلا أن الغالب الأعم والأشمل هو وجود المخدرات خلف كل عنف أسري، هذا الاستخدام المفرط للمخدرات في مجتمع سعودي عربي مسلم يحتاج إلى إعادة وقفة وتصحيح للسلوك لأن الأساس في المجتمع المحافظ هو حماية أفراده من خلال رعاية الأسرة لهم وفي المجتمع الإسلامي يكون الوازع الديني هو المساعد على الحماية الفردية من الانزلاق في مهاوي الرذيلة وعندما تجتمع القيم الثلاث الأعراف المجتمعية والقيم العربية والإسلامية فإن وجود مثل هذه الظاهرة من اختلال إنساني وانتشار للمخدرات يحتاج إلى دراسة متأنية صادقة ذات قدرة على التغيير لمحاربة المسبب الحقيقي للعنف الأسري. إذا اتفقنا على أن المخدرات وتوابعها أحد أهم المؤثرات في ازدياد العنف الأسري فإن الأمر يتطلب عدم الاندفاع خلف الحلول الأخرى التي تؤدي إلى تفكك الأسر ودخول ثقافة مجتمعية جديدة على المجتمع السعودي هو في غِنى عنها من إنشاء دور للحماية الاجتماعية أو دور للفتاة الهاربة من الأهل أو غيرها من الأفكار التي يحمل أهلها النية الطيبة لمجتمعنا ولكن يمكن أن يتحول إلى ثقافة جديدة وسلوك اجتماعي يخلخل تركيب الأسرة ويقلل من احترام رب الأسرة يضعف المسؤولية الأسرية عن أفرادها ويضيف عبئا إداريا وماليا ومسؤولية اجتماعية على المؤسسات الحكومية والخاصة. دعونا نعود إلى دراسة تركيب الأسرة وسلوكيات بعض أفرادها ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى التسلط الأسري من جهة والعنف الأسري من جهة أخرى ثم نضع الحلول لكل منهما بما يضمن القضاء على مختلف أسباب التفكك الأسري وبما يحقق دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ حول الاهتمام بالأسرة ورعايتها وتحقيق ترابطها وتماسكها وقيامها بدورها الإيجابي في بناء ذاتها وأفرادها تصديقا لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام "إنما المؤمنون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". وفقنا الله لما يحب ويرضى وأن يجعل من وطننا الحبيب نموذجا للدولة العصرية المتميزة إنسانا ومكانا.
إنشرها