لن تفعلها وزارة الصحة
نشرت إحدى الصحف قبل يومين خبراً يفيد بتوجه لجنة من وزارة الصحة إلى بنجلادش للتعاقد مع ألف طبيب للعمل في المملكة. ولم يصدر أي تعليق من وزارة الصحة حول هذا الخبر نفياً ولا إثباتاً، ولكني أرجح أن الخبر غير صحيح، ولا يمكن أن يكون صحيحاً، وذلك للمبررات التالية:
* وزارة الصحة حريصة كل الحرص على مصلحة المواطنين، واختيار أفضل الأطباء من جميع أنحاء العالم، وليست ملزمة باختيار أطباء من بلد تتدنى فيه مهارات الحرفيين، ناهيك عن الأطباء والمهنيين.
* وزارة الصحة تعلم أن التعاقد مع طبيب غير ماهر قد يودي بحياة أرواح بريئة، من المواطنين وغيرهم، وهي مسؤولية جسيمة على المستويين الرسمي والأخلاقي.
* لوزارة الصحة تجارب غير ناجحة في التعاقد مع أطباء غير مهرة، من دول تصدر لنا الأطباء والمهندسين كما تصدر أي بضاعة تجارية: بأقل تكلفة، وأسوأ جودة. وأدى هذا إلى أخطاء طبية تتكرر يومياً في المستشفيات والمراكز الصحية، ونقرأ عنها بشكل شبه يومي في الصحف.
* ليست الوزارة بمعزل عن هذا المجتمع، وتعرف جيداً حالة عدم الرضا الشعبية عن العمالة البنجلادشية، والمطالبات المتكررة بإيقاف الاستقدام من هذا البلد، نظراً لمهنيتهم المتردية، والسلوك الإجرامي الذي تكرر وقوعه من كثير منهم.
* ليست الوزارة ملزمة بالتعاقد مع أطباء من هذا البلد تحديداً، فلديها خيارات كثيرة أفضل بكثير بناء على تجاربها الخاصة، أو تجارب الدول الأخرى.
* تعلم وزارة الصحة أنها حين تتجاوز بلداً مثل بنجلادش فإنها لا تصدر حكماً عليه، ولا تعاقبه، ولكنها تبحث عن الأفضل لشعب هي مسؤولة عن قطاع الصحة لديه.
* تعلم الوزارة أن الطبيب الجاهل أشد خطراً من العدو، إذ يأتي بالضرر من جانب يفترض أنه مأمون، وقديماً قيل: عدو عاقل خير من صديق جاهل، لأن الأخير يريد أن ينفعك فيضرك.
* أرى أن الوزارة أحكم من أن توقع نفسها في غضبة شعبية هي في غنى عنها، خاصة وملفات الأخطاء الطبية في ازدياد، ولا أظن الوزارة ترغب في إحداث قفزة فيها باستقدام أطباء غير مهرة، وتفتح على نفسها جبهة جديدة.
* تعلم الوزارة أن حكومة هذا البلد لا تبحث عن التقتير على شعبها من خلال جلب عمالة غير مدربة أو أطباء غير مهرة، فشعبها أغلى لديها من كنوز الأرض، ويتبين هذا في مخصصات الميزانيات التي يصرف جلها في القطاعات الخدمية أو التي لها علاقة مباشرة بالمواطن ورفاهيته وتعليمه وتدريبه ورعايته. وقبل يومين أعلنت وزارة الصحة رصد ملياري ريال لتحديث البنية التحتية في عدد من المستشفيات في المملكة، فهل دولة تبذل مثل هذا البذل ستجلب أطباء رديئين للعمل فيها فقط لأن أجورهم منخفضة؟ فالطبيب أهم جزء في المنظومة الصحية، ولا أظن الوزارة تفكر بهذه الطريقة، إذ تصبح كمن رزق بابن صرف كثيرا على تربيته، وتعليمه، ورعايته، ثم اشترى له سيارة رديئة ذات مكابح سيئة، لأنها الأرخص.
* اليقين أن وزارة الصحة تحاول الاستفادة القصوى من الطفرة الهائلة في ميزانية البلاد، وتوجيهها التوجيه السليم المفيد ذا المردود المستديم على هذا الوطن وأهله وساكنيه. وجلب عمالة رديئة على هيئة عمال أو أطباء أو مهندسين ما هو إلا إهدار لهذه الموارد، ليس فقط في الرواتب والمكافآت إنما في إصلاح ما تفسده هذه الأيدي غير الماهرة.
في ظني أن الوزارة لم ترد على الخبر، ولم تنفه، لأنه غير منطقي، وغير معقول، وليست الوزارة ملزمة بالرد على كل الأخبار الخاطئة التي تنشر في الصحف، فالمهم هو الأداء الجيد الذي يحظى برضا المسؤول وقبول المتلقي. ومع أننا لا نزال ننتظر الكثير من الوزارة، إلا أنها لا تألو جهداً في تنمية وتطوير قطاع الرعاية الصحية في المملكة، ومعالجة القصور الذي قد يلحق ببعض جوانب الأداء، وهو قصور نعلم أن الوزارة حريصة على ألا يتجاوز حدود المقبول مهنياً.