ثقافة إحراق الكتب والمكتبات (2 من 2)
تحدثت بالأمس عن ثقافة حرق الكتب والمكتبات بصفتها عملا يستهدف القتل المعنوي للفكر الذي صاغ تلك الكتب, وأوردت نماذجاً لبعض من قاموا بعملية انتحار معنوي من المؤلفين الذين ذكرهم التراث العربي, لكن التاريخ الإنساني بشكل عام يتضمن أحداثاً أكثر تعرضت فيها الكتب والمكتبات للحرق والتدمير في مراحل مختلفة, فالمصادر التاريخية والكثير من مصادر المعلومات تشير إلى أنه في سنة 335 ق.م، حرق الإسكندر الأكبر عشرة آلاف مخطوط في مكتبة برسيبولس, وفي سنة 270 ق.م أحرق الإمبراطور الصيني "تسي شن هوانج" جميع الكتب العلمية والتاريخية الصينية، ويقال إن عددها كان مئة ألف مخطوط, أما في سنة 48 ق.م فقد تم إحراق جميع الكتب الملحقة بمعبد أبولو في اليونان.
وفي سنة 48 ق.م ، حرق يوليوس قيصر مكتبة الإسكندرية, وفي السنة الأولى بعد الميلاد أحرق الإمبراطور الروماني أغسطس كل الكتب الغريبة على الرومانيين، ومصدرها الهند والتبت ومصر الفرعونية، وفي سنة 54 م، أمر القديس بولس بإحراق جميع الكتب الموجودة في مدينة أفسوس . كما أمر الإمبراطور دقليانوس في سنة 296م ، بحرق جميع الكتب والمخطوطات الإغريقية والفرعونية الموجودة في البلاد .
أما في نهاية القرن الثالث فقد حرق الحكام المسيحيون جميع مكتبات أفسوس التي احتوت على الآلاف من الكتب والمراجع النادرة, وفي سنة 389م أحرق الإمبراطور تيودوسيوس جميع المكتبات المعروفة في عصره، وكانت أعدادها هائلة جدا, وفي السنة 490م أحرقت مكتبة الإسكندرية مرة ثانية, وفي سنة 510م هاجمت الجماهير مكتبة روما وأتلفوا كل ما احتوته من كتب ومخطوطات مهمة تعد بعشرات الآلاف وفي سنة 641م، أحرقت مكتبة الإسكندرية مرة ثالثة.
أما في سنة 728م فقد أحرق ليون إيزوري مكتبة بيزنطة، وكان فيها ما يزيد على نصف مليون كتاب, وبعد ذلك بنصف قرن أحرق الملك شارلمان جميع المخطوطات والمراجع الوثنية المضادة للكنيسة.
وأحرق هولاكو مكتبات العراق فيما كان الكهنة المسيحيون قد أحرقوا كل المكتبات في جميع أنحاء أوروبا, وفي القرن الرابع عشر، حرقت محاكم التفتيش جميع الكتب والمراجع المضادة للمسيحية خوفاً من تأثيرها السلبي في الشعب
وفي القرن السادس عشر، حرق الأرشيدوق "دييغو دي لاندا" كل مكتبات المكسيك القديمة وفي سنة 1566م أمر نائب ملك بالبيرو بحرق كل الرسوم والنقوش الموجودة على اللوحات وجدران المعابد القديمة، والتي تحدثت جميعها عن حضارات أمريكا الجنوبية .
وفي سنة 1790م، أحرقت محاكم التفتيش بإحراق جميع أعمال البرتغالي"جيسماو" الذي أبدع في علوم الكيمياء الغريبة.. وفي الحروب النابليونية تم تدمير أونهب الكثير من المكتبات الكبيرة في أوروبا, وفي الحربين العالمية الأولى والثانية تم تدمير مكتبات كثيرة تحتوي على مخطوطات ومراجع نادرة لا يمكن تعويضها. ومازالت الحروب حتى اليوم تحرق وتدمر عشرات المكتبات التي لن تكون آخرها مكتبات ومتاحف بغداد قبل بضع سنوات!