"السلطة" تفضح الصغار..!

تختلف طبائع الناس بحسب مجتمعاتهم وأساليب تربيتهم, لكنهم جميعاً يخضعون للعوامل النفسية ذاتها، فالشعور بالنقص مثلاً لا تختلف مفرزاته في تصرفات شخص ياباني عن شخص جنوب إفريقي, والاكتئاب الحاد قد يؤدي إلى انتحار مواطن كولومبي مصاب به بالنسبة نفسها التي قد يؤدي بها إلى انتحار مواطن صيني.
الإنسان هو الإنسان في كل بقعة على وجه الأرض مهما اختلفت اللغات التي ينطق بها أو لون بشرته أو حتى طريقته في الحياة، تبقى القواسم النفسية مشتركة بينه وبين غيره من بني البشر, بل إن بعض الحيوانات أيضاً قد تتشارك معه في هذه الناحية!
ومن الناس من يعاني كثيراً جراء مركب النقص والشعور بالدونية لأسباب مختلفة قد تكون نتيجة الفشل المتكرر أو بسبب الوضع الاجتماعي الناشئ عن أعراف اجتماعية موروثة أو بسبب الحالة الاقتصادية أو غير ذلك من الأسباب التي لا تتوقف عند حدود معينة, وهذه الفئة من الناس تحتاج إلى العلاج قبل أي شيء آخر, ذلك لأن غالبيتهم لا يستطيعون تحويل شعورهم بالنقص إلى دافع إيجابي لتغيير حياتهم, وهو ما يضعهم تحت ضغط داخلي عنيف يجبرهم على محاولة تغطية هذا الشعور بأساليب خاطئة وتجعلهم يتصفون بصفات محددة تكشف في النهاية عن صغرهم في أعين أنفسهم والآخرين بشكل غير مباشر.
المغرور مثلاً هو في الغالب شخص مريض بمركب نقص يحاول ستره عن عيون الآخرين بممارسة غروره بدلاً من محاولة التصالح مع الذات لعجزه عنها, وأجزم أن عديدا منكم يعرفون عشرات الأشخاص الذين يمكن تصنيفهم ضمن هذه الفئة التي أجدني أتعاطف معها رغم اقتناعي التام بأنها فئة تشكل خطراً على من حولها, ويتفاقم هذا الخطر في حال تسلم أفراد هذه الفئة أي سلطة في أي مجال. ولكي أوضح الصورة لنفترض أن شخصاً مصاباً بمركب نقص نتيجة لأي سبب من الأسباب تسلم زمام إدارة شركة تجارية, هل تتخيلون ما المحصلة النهائية التي ستصل إليها الشركة؟!
سجلوا لديكم: سيعمل هذا الشخص جاهداً على إخفاء مشكلته النفسية بممارسة السلطة بعنجهية على كل موظفي الشركة التي يعمل فيها بشكل يسهم في خسارتها الكفاءات المتميزة التي من الصعب أن تعيش في جو وظيفي مضطرب, كما أنه سينجم حتماً عن طريقة إدارته أعمال الشركة وقراراته الهادفة إلى إشعار الآخرين بسلطته خسائر مادية باهظة, كان من الممكن تجنبها لولا عقدة النقص إياها, والأهم من ذلك كله أن مديراً كهذا سيعمد إلى تعطيل عملية التطوير في أداء الشركة لا شعورياً لأنه سيعد أي نقد هادف إلى التطوير اعتداء غاشم على سلطته, إضافة إلى العديد من السلوكيات التي تصب في إطار تدمير الشركة كاملة مقابل إخفاء ذلك الشعور الشنيع بالنقص فقط!
إن "السلطة" يا سادة يا كرام تفضح الصغار وتحولهم إلى كتل من الغرور والعنجهية, بينما تزيد الكبار ثقة وتواضعاً..هذا على المستوى الإنساني والاجتماعي, أما على مستوى الأعمال فلا بد من أن تفكر الشركات والمؤسسات التجارية بوجه خاص في اخضاع موظفيها المرشحين لوظائف قيادية لاختبارات نفسية تكشف عن مدى ملاءمتهم لتلك الوظائف، وهي عملية غير مكلفة ولا تختلف عن عملية الكشف الطبي العادي, لكنها في رأيي ذات جدوى اقتصادية كبيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي