دماغك يكره التغيير ( 1 من 2)

يبدو أن مقولة إخواننا المصريين "اللي تعرفوا أحسن من اللي ما تعرفوش" متوافقة لحد كبير مع ميول معظم البشر، حيث يميل الإنسان بطبعه إلى التكرار والروتين ويهاب ما لم يألفه أو يعتد عليه، ويصاب بالتوتر والقلق إذا اضطر إلى التغيير، خصوصا إذا لم يكن واضحا لديه ما مكاسبه من الوضع الجديد، فنجده يقاوم أي تغيير يعتري نمط حياته أو علاقاته أو في مجال عمله ولا ينزع إليه إلا إذا تعرض لضغوط خارجية شديدة، ولكن رغم صعوبته يظل التغيير أمرا حتميا في حياة البشر ويستحيل تحقيق النجاح سواء على مستوى الجماعات أو الأفراد دون تغيير السلوك، فهل هناك أسباب علمية تفسر لنا هذا الخوف المشترك لدى أغلب الناس من تغير الأوضاع والأحوال وتساعدنا على التغلب تلك المشكلة التقليدية بحلول تجديدية؟
يبدو أن الإجابة عن ذلك تكمن في داخل أدمغتنا، فقد أسهمت الاكتشافات الحديثة في تشريح الخلايا الدماغية في إزاحة اللثام عن الكثير من أسرار ذلك، خاصة بعد أن أظهرت تكنولوجيا تصوير الدماغ مثل الرنين المغناطيسي MRI ، PET أو تحليل موجات المخ بواسطة QEEG أن هناك روابط واتصالات عصبية متواصلة بين خلايا الدماغ، وشرحت القوانين المنظمة التي تحكم العلاقة بين الكتلة المادية الفسيولوجية للدماغ والعقل الذي يفكر ويشعر ويدرك الأحداث، حيث يعزى السبب الأول لرفض التغيير إلى الذاكرة النشطة والتي تعد بمثابة منطقة التخزين في العقل، فهي تميل إلى مقارنة الأفكار والأحداث بما في خزانة الذكريات من معلومات، وتستثار وتصرف الكثير من الطاقة حين تواجه معلومة جديدة لا تملك في جعبتها القديمة ما يشابهها أو يساعدها على الربط بينهما، ولذلك فهي تميل لتنفيذ الأعمال الروتينية والمألوفة لها وتدفعك لالتقاط أغراضك المكررة بسهولة من رف المتجر ووضعها في سلة المشتريات دون انتباه، فعاداتنا لا تحتاج إلى صرف طاقة كبيرة أو تنشيط الذاكرة لكي تعمل، وكأنها بفعل التكرار قد خضعت لتدريب مكثف ومتواصل فأصبحت تلقائية ولا شعورية، وكما يصعب التحول من قيادة سيارة أتوماتيكية إلى سيارة ذات ناقل يدوي، فكذلك تغيير عادات المنظمات أو سلوكيات الأفراد، حيث يعد ذلك أمرا صعبا ومثيرا للتوتر في البداية لأنه يحتاج إلى تشغيل الفص الأمامي المحوري من الدماغ، وهو جزء متطور ومتحضر وذكي وغير موجود على الإطلاق في بقية الثدييات، وهو يطلق إشارات قوية تستنفد الكثير من الطاقة، وهذه تجربة مرهقة غير مريحة يتجنبها الكثير، حيث يتطلب تغيير أي عادة متأصلة كثيرا من المعاناة، عكس الأعمال الروتينية المعتادة التي تتولاها مجموعة الخلايا المسؤولة عن الروتين والتي يطلق عليها Basal Ganglia والتي لا تحتاج إلى استثارة أي جهد، لكن السائق لو استمر في التدرب على استخدام الناقل اليدوي فسيمارس قيادته بعد أشهر دون بذل أي مجهود ذهني، وكذلك الموظف الذي سيعتاد استراتيجيات التطوير التنظيمي الجديد لمؤسسته، وهذا ما يطلق عليه علماء الدماغ "التشكيل الذاتي المرن للدماغ"، ويبقى السؤال الصعب والمهم لكل القادة:
كيف يمكن استثمار ملكات الدماغ في قيادة التغيير المؤسساتي والاجتماعي؟
ماذا يستطيع المديرون أن يفعلوا لتحفيز موظفيهم على تبني التغيير؟
نحاول الإجابة في مقالة الأسبوع المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي