تقرير الحرية الاقتصادية لعام 2009 .. حقائق
أكد تقرير الحرية الاقتصادية لعام 2009 والصادر من قبل مؤسسة "هيريتاج فاونديشن" وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكتين إلى استمرار سيطرة اقتصاديات الدول الواقعة في منطقة جنوب شرق آسيا على مؤشر الحرية الاقتصادية. فقد حافظت كل من هونج كونج وسنغافورة على المرتبتين الأولى والثانية على التوالي من بين 183 اقتصادا مشمولا في التقرير.
معايير المؤشر
تؤمن كل من مؤسسة "هيريتاج فاونديشن" وصحيفة "وول ستريت جورنال" ذات التوجهات المحافظة بضرورة تحديد دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها. في المقابل، يقتضي الصواب منح مؤسسات القطاع الخاص الدور الرئيس في الاقتصاديات المحلية. ومرد ذلك اهتمام الشركات الخاصة بتحقيق الربحية ما يعني ضرورة منح الزبائن قيمة مقابل أموالهم، الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية في نهاية المطاف. وتعتقد الجهات الصادرة لتقرير الحرية الاقتصادية أن تواجد القطاع العام في الاقتصاد يعد أمرا سلبيا في حد ذاته، وفي العادة يكون على حساب الحرية الممنوحة للقطاع الخاص. على سبيل المثال، يشكل حصول الحكومة على قروض من البنوك مزاحمة للأفراد والشركات في الحصول على التسهيلات المصرفية بشروط ميسرة ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل.
يعتمد التقرير على عشرة متغيرات تنصب في مجال الحرية الاقتصادية وهي:
1) تأسيس الأعمال. 2) التجارة الدولية. 3) السياسة النقدية مثل مستوى الضرائب والاقتراض الحكومي. 4) السياسة المالية مثل السيولة ومعدلات الفائدة. 5) التدخل الحكومي في الاقتصاد. 6) الاستثمارات الأجنبية. 7) النظام المصرفي والتمويل. 8) حقوق الملكية. 9) الفساد المالي والإداري. 10) توظيف وتسريح العمال.
أفضل النتائج
حقت اقتصاديات منطقة جنوب شرق آسيا أفضل النتائج على مستوى العالم فيما يخص مفهوم الحرية الاقتصادية. فقد حافظت هونج كونج على موقعها كأفضل كيان للممارسة النشاط الاقتصادي، حيث يعد اقتصادها حرا بأكثر من 90 في المائة. كما استمرت سنغافورة في المحافظة على المركز الثاني دوليا، إذ يعد اقتصادها حرا بنحو 87 في المائة. إضافة إلى ذلك، تضم قائمة أكثر الاقتصاديات تحررا كل من: أستراليا، إيرلندا، نيوزيلندا، والولايات المتحدة وكندا على التوالي. الرابط المشترك بين هذه الاقتصاديات هو تبني نظام السوق ما يعني تشجيع المنافسة وبالتالي تنشيط الدورة الاقتصادية.
في المقابل، حل السودان في قاع المؤشر ربما بسبب نقص المعلومات المتوافرة. ويلاحظ حصول بعض دول الاتحاد الأوروبي على مراتب متأخرة نسبيا، إذ نالت إيطاليا المركز رقم 76 على مستوى العالم نتيجة سيطرة المذهب الاشتراكي على الاقتصاد فضلا عن وجود دعم من الحكومة لبعض القطاعات الحيوية مثل الطيران. وخلافا للمتوقع، تراجع ترتيب فرنسا من المرتبة 48 في تقرير عام 2008 إلى المرتبة 64 في التقرير الأخير ما يعكس الحاجة إلى تقليص دور القطاع العام لصالح القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي.
أداء دول مجلس التعاون
حافظت البحرين على سجلها كأفضل بلد خليجي (وعربي) على مؤشر الحرية الاقتصادية، حيث حلت في المرتبة رقم 16 على مستوى العالم ما يعني تحسن ترتيبها ثلاث مراتب. يعد الاقتصاد البحريني حرا بنسبة (74.4 في المئة) متقدمة بنسبة 2.6 في المائة عن عام 2008. وقد حصلت البحرين على أفضل نتيجة في معيار السياسة النقدية (نحو 100 في المائة) بسبب عدم وجود ضرائب على الدخل والأرباح. أما أسوأ نتيجة (50 في المائة) فكانت من نصيب الفساد ما يعكس وجود الحاجرة لتعزيز جميع أشكال الفساد المالي والإداري في المعاملات الرسمية.
بدورها حلت عمان في المركز الثاني خليجيا والمرتبة 43 على مستوى العالم. وجاء ترتيب قطر في المركز الثالث خليجيا والمرتبة 48 ثم الكويت (المرتبة 50) فالإمارات (المرتبة 54) وأخيرا السعودية (المرتبة 59).
تحسين الترتيب
يلاحظ عدم إحراز دول مجلس التعاون باستثناء البحرين مراتب متقدمة في مؤشر الحرية الاقتصادية. وتكمن المشكلة الرئيسة في الدور الكبير الذي يلعبه القطاع العام في جميع الاقتصاديات الخليجية على حساب القطاع الخاص. أيضا هناك ظاهرة عدم وضوح بعض القوانين فيما يخص عملية الاستيراد الأمر الذي يشكل انتقاصا لمبدأ الشفافية. المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي دراسة ما جاء في التقرير والوقوف عند نقاط الضعف لغرض وضع حلول ناجعة لها. بمقدور دول المجلس تحسين تصنيفها العالمي وذلك بتحرير المزيد من القطاعات الاقتصادية وفتحها أمام المنافسة الإقليمية والدولية.
من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى بعض سلبيات التقرير مثل اعتماده على المصادر الثانوية مثل تقرير مدركات الفساد الصادر من قبل منظمة الشفافية الدولية. بمعنى آخر، يعاني التقرير من عدم وجود منهجية واضحة بسبب اعتماده على تقارير مختلفة ومتباينة بدل القيام بدراسة ميدانية ما يعني وجود معضلة فيما يخص انسجام المعلومات. وفي كل الأحوال، المطلوب من دول مجلس التعاون الاستفادة من التقرير فيما يخص تحسين البيئة التجارية وخصوصا إفساح المجال أمام استثمارات القطاع الخاص وبالتالي تعزيز مستويات الحرية الاقتصادية.