2009 .. السنة الدولية للفلك

أعلنت منظمة الأمم المتحدة عام 2009 عاماً مخصصاً للفلك، في مؤتمر بهذه المناسبة بدأ يوم أمس الخميس وينتهي اليوم الجمعة في مقر منظمة اليونسكو في باريس، وذلك احتفالاً بذكرى المائة الرابعة لأول حالة مسجلة لرؤية جرم سماوي من خلال منظار العالم الإيطالي جاليليو.
قضية الفلك قضية شائكة تقع في المنطقة الفاصلة بين العلم والثقافة (بشقيها الديني والفولكلوري) في تكامل أو تضاد وتنازع استمر لعدة قرون، ولا يزال يهيمن على عديد من القضايا، لعل أهمها: التنجيم، والرؤية. فالمؤمنون بالتنجيم يرونه علماً قائماً بذاته، وله أصوله وأساليبه، ويعتمد على قراءة مواضع النجوم وعلاقتها بالإنسان الذي يتأثر بها سلباً وإيجاباً. فهو كما يرون علم وفن، وليس ضرباً من الدجل والشعوذة، في حين يرى مخالفو التنجيم أنه ممارسة للشعوذة، وتعمية على الناس، واقتناص أموالهم عن طريق إيهامهم بكشف المستور وقراءة المستقبل.
وفي مجال الرؤية يرى أهل الاتجاه التقليدي أنه لا يمكن التنبؤ بولادة القمر أو حساب ذلك على نحو دقيق، لذلك يعتمد في هذا الشأن على الرؤية المجردة، وتطبق الآليات نفسها التي طبقت لقرون طويلة. وأخيرا أجيز استخدام المكبرات والمقربات، ولكن لا يعتمد في إثبات دخول الشهر وخروجه على الحساب. ويبررون ذلك بأن رؤية ولادة القمر من الأمور التي تقوم عليها بعض العبادات، ولا يمكن الاعتماد فيها على تخمينات الحسابيين والفلكيين. كما أن التكليف ربط بالمشاهدة وليس بالحساب. ولكن أهل الحساب يرون عملهم علماً قائماً على مسلمات رياضية فيزيائية تعتمد على حساب مسيرة الأفلاك، وليس شعوذة ودجلاً إلا لمن جهله. وإذا كان بإمكانهم تحديد مكان وزمان الكسوف والخسوف قبل وقوعه بمدة طويلة، فهم كذلك يستطيعون تحديد ولادة القمر قبل وقوعه باستخدام الآليات نفسها، ويركزون على الفرق بين علم الفلك (أسترونومي) وعلم التنجيم (أسترولوجي).
لست هنا في معرض الحديث عن هذا الخلاف الذي يتكرر كل عام، خاصة مع اقتراب شهر رمضان وأثناءه، ولكني أتحدث عن أن هذه السنة هي سنة مخصصة دولياً لعلم الفلك، ولعلها تكون سنة مواتية لعمل مؤتمرات وندوات علمية لمناقشة موضوع الرؤية والحساب، وحلها نهائياً، استغلالاً لتجمع المختصين في المؤتمرات الدولية، واستفادة من الانتباه العالمي الذي سيتركز هذه السنة على موضوعات علم الفلك.
إن الذي يهمنا على المستويين المحلي والإقليمي هو حل الإشكال المزمن في مسألة الرؤية، فلو تم تبني هذا العام عاماً لمواجهة هذه العقبة ومناقشتها بأساليب علمية وتقديم الإثباتات لأمكن تحقيق نتائج مادية تفيد الأجيال المقبلة. وفي هذا السياق تقبل فقط المناقشات القائمة على أسس علمية وليس التهميش والتسطيح أو القولبة التي يميل إليها كل طرف لدحض آراء الطرف الآخر وتقديمها بأسلوب غير منطقي، فكل من الفريقين مارس التسطيح والتعمية، ففريق التقليديين يرون أن الحسابيين يخرصون، ويتخبطون، وهم أقرب للشعوذة منهم إلى العلم، كما أنهم لم يستطيعوا أن يتفقوا على رأي، ولو كان الأمر قائماً على علم لما اختلفوا فيه. وأهل الحساب يرون التقليديين يرفضون العلم كما رفضه تقليديو أوروبا حين حاكموا جاليليو واتهموه بالشعوذة والهرطقة يوم عارض الأفكار التقليدية المتعلقة بالأجرام السماوية.
مثلما كانت سنة 1609 سنة تحول فيها علم الفلك إلى علم حقيقي على يد جاليليو، نرجو أن يتمكن علماؤنا من تحويل عام 2009 إلى عام تحل فيه مسألة الرؤية حلاً نهائياً، ويقترب فيها الفريقان ليدفنا إشكالاً فرق الأمة في يوم صيامها ويوم عيدها. ولعل هذا المشروع يتم إدراجه ضمن المشروعات الرئيسية في هذه السنة في "اليونسكو" ليتم دعمه رسمياً ويحقق الأهداف التي رسمتها منظمة الأمم المتحدة لهذا العام. وأملنا أن يتم تفعيل ذلك من قبل المختصين وأولي الخبرة في هذا المجال، ومؤسسات مثل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، ومعهد بحوث الفلك والجيوفيزياء في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وأقسام أكاديمية متخصصة مثل قسم العلوم الفلكية في جامعة الملك عبد العزيز، وقسم الفيزياء والفلك في جامعة الملك سعود.
أملنا أن نصل إلى حل شاف لهذه المعضلة، ونسير عليه، فإن نحن اعتمدنا الرؤية حلاً سلطنا كاميرات التفلزة على موضع ولادة الهلال في أماكن جغرافية مختلفة فتراه الأمة كلها رأي العين، وليس مجرد شاهد أو شاهدين قد يقعان في الخطأ كما حصل في أكثر من حالة، فتحل مسألة الرؤية وينتهي الاختلاف فيها. ولعلنا إن اعتمدنا الحساب، ننهي التوقع والاختلاف في حلول الأشهر الهجرية، وتتحول السنة الهجرية إلى سنة دقيقة منضبطة مثل السنة الميلادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي