من "حجرة" بالدمام إلى "بناية" وفرع في كل مدينة
ما بين عامي 1372و1430هـ ـ هو عمر الغرفة ـ (تاريخ) بناه أجيال من رجال الأعمال الطموحين. وعلى امتداد 58 عاماً كانت غرفة الشرقية شاهدا على واقع التنمية الشاملة في المنطقة الشرقية، والحاضن الأكثر حميمية لتلك الخطوات الجريئة التي بدأها تجارٌ وصناعيون ومستثمرون، شاركوا في صنع "التنمية" حيث انطلقوا إلى عالم الأعمال، تزامناً مع القفزات المتسارعة التي حققها الاقتصاد الوطني في ميادين النموّ والبناء.
بدأت الغرفة كنواة لمشروع حضاري مشهود، لكنّ تلك النواة التي بدأت فعلياً في "حجرة" رطبة باردة وفقيرة، في أحد مباني مدينة الدمام، وتكاد لا تكفي لاجتماع 19 عضواً (كانوا هم كل أعضائها آنذاك)، استطاعت أن تنجح، وقدمت عشرات المبادرات والمنجزات التي شاركت ـ بصورة أو بأخرى ـ في دفع عجلة التنمية الشاملة بكل اقتدار، لتكون أحد الفاعلين والمؤثرين في حراك هذه التطورات، كما كانت جهة مستفيدة من هذه التطورات ومتفاعلة معها، منذ أن كانت الحركة الاقتصادية في المنطقة متواضعة، قياساً بما هي عليه في عصر العولمة والتجارة العالمية.
وحين صدر قرار تأسيس غرفة الشرقية (وهي ثالث غرفة في المملكة، من حيث النشأة، بعد غرفة مكة وغرفة جدة) فإنها بدأت بتسعة أعضاء، جميعهم تم تعيينهم من قبل وزارة التجارة، أي أن المجلس بالكامل كان معيناً استناداً إلى الخبرات التي كان يحملها الأعضاء المعينون، وسمعتهم التجارية الراسخة في المنطقة، وريادتهم للعمل التجاري في ذلك الوقت، قياسا بتشكيلة مجلس الإدارة وتكوينه وعدد أعضائه في الوقت الحاضر، حيث يتألف من 18 عضواً ويتم انتخاب ثلثيه.
وبينما كانت الغرفة التجارية مجرد "حجرة واحدة" يعمل فيها اثنان من الموظفين، في عمارة وسط السوق التجاري في الدمام، ثم تحولت إلى شقة ذات ثلاث غرف، فإنها في عام 1430 وبعد تأسيس المبنى الحالي للغرفة في 1410هـ أصبحت في واقع لافت لا يمكن قياسه بالبدايات المتواضعة، بوصفه مبنى مجهزاً لكافة الأنشطة والخدمات التي تقدمها الغرفة للقطاع الخاص، بعد أن كانت ـ زمن التأسيس ـ غرفة واحدة لا يعمل فيها سوى اثنين من الموظفين.
تطور الخدمات
لا يقتصر التطور على الحجر، وإنما يمتد إلى البشر، وهذا هو الأهم، فقد توافق هذا التطور مع تطور في خدمات الغرفة. ففي البدايات الأولى لم تكن تتعدى خدماتها حدود الوساطة والتحكيم بين المتخاصمين، أو المختلفين في القضايا التجارية، بعد إحالة هذه القضايا من إمارة المنطقة الشرقية أو شركة أرامكو السعودية. أما اليوم فالخدمات تكاد لا تقف عند حد، فإلى جانب خدمة التصديقات هناك خدمات الوساطة والتحكيم وخدمات المعلومات وخدمات الاستشارات وخدمات اللجان، إلى آخر القائمة التي يعرفها منتسبو الغرفة ويتعاملون معها يوميا.
ويكفي القول في هذا الصدد إن التقسيم الإداري للغرفة يظهرها على عدة قطاعات، تعمل وفق تسلسل تنظيمي وإداري، تبعاً لأهمية الخدمات التي تقدمها الغرفة لأعضائها وتنوع هذه الخدمات، وهي تشمل: قطاع الأمانة العامة، قطاع شؤون اللجان (إدارة القطاع التجاري، إدارة القطاع الخدمي، وإدارة القطاع الإنتاجي)، قطاع الشؤون الاقتصادية، قطاع العلاقات العامة والإعلام، قطاع الشؤون الداخلية، قطاع خدمة المجتمع، إضافة إلى مراكز متخصصة، مثل مركز التدريب، مركز تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مركز المعلومات، مركز الدراسات والبحوث، مركز الخدمات الخاصة، مركز تنمية الصادرات، مركز تنمية الاستثمار، وفي الهيكل التنظيمي والإداري، إدارة تنمية الموارد البشرية، وتقدم كل إدارة في الغرفة خدمة مهمة للمشتركين. إضافة إلى ذلك، هناك مركز سيدات الأعمال، ومراكز الخدمات في مختلف أنحاء المنطقة، خاصة مدينتي الدمام والخبر، في تنظيم إداري يستهدف تفعيل خدمات الغرفة للمشتركين، وهو آخر ما توصلت إليه الغرفة، بعد سلسلة من الخبرات والدراسات والممارسات اليومية.
نتيجة طبيعية
هذا التنظيم هو أيضا نتيجة طبيعية لزيادة عدد المشتركين، الذي بلغ بعد ثلاثة أشهر من تأسيس الغرفة (19) مشتركاً، وتضاعف في نمو متواصل حتى بلغ في العام الماضي 1429 إلى أكثر من 39 ألف مشترك، وهو ما يعني أن الزيادة السنوية في عدد المشتركين فرضت على إدارة الغرفة أن تضع إطاراً تنظيمياً يتفاعل مع هذا العدد الكبير من رجال الأعمال، المختلفين في مواقعهم وأنشطتهم، فضلاً عن توجهاتهم، وباختلاف المعوقات التي تواجه أنشطتهم الاقتصادية.
توسع خارج المركز
كانت الغرفة، إبان انطلاقتها، محدودة الإمكانية، تقدم خدماتها وتسعى لاستقطاب رجال الأعمال في المركز وما جاوره، أي تحديداً في منطقة الدمام والقطيف، قبل أن تظهر الخبر كما هي عليه اليوم، وكذلك الجبيل، فضلا عن حفر الباطن والخفجي، بل إن النشاط التجاري في الدمام نفسها كان متواضعاً للغاية.
إلا أن الوضع في الوقت الحاضر بات مختلفاً بكثير، إذ تخطت الغرفة حدود خدماتها لرجال الأعمال في المركز "الدمام" وتجاوزتها لتفتتح فروعاً لها في الخبر والقطيف والجبيل وحفر الباطن والخفجي، ورأس تنورة. أي أن الغرفة تعمل في نطاق أوسع، بحكم أن الحركة التجارية باتت في نمو واتساع مستمرين.
إن هذا التوسع النابع عن زيادة عدد المشتركين وتنوع مراكزهم، اقتضى من الغرفة أن تتطور في أدائها، وتنوع من وسائل تواصلها مع أعضائها، بغية رفع مستوى الأداء لدى المشتركين، كالاهتمام بالتدريب كخدمة لمنسوبي القطاع الخاص، والاستشارات، والندوات والمؤتمرات ذات البعد العالمي، والدراسات الميدانية، فضلاً عن تنظيم استقبال الوفود، والتطوير الداخلي لمنسوبي الغرفة لتقديم خدمات متميزة. لذلك جرت خطوات متسارعة نحو إنجاز مشروع الغرفة الإلكترونية.
كل هذه التطورات تحققت في مواكبة من الغرفة لتطورات وحاجات المشتركين بالدرجة الأولى، واستجابة للتطورات المستمرة في عالم رجال الأعمال، والاقتصاد بشكل عام. ففي عام 1372هـ كانت كل الأعمال يدوية، ولم يكن هناك مراكز للتدريب أو رعاية المنشآت الصغيرة، ولا مركز للمعلومات، أو الدراسات والبحوث، أو الاستثمار، وغيرها من الخدمات الضرورية، بل كانت هناك إرادة جادة ونظرة ثاقبة للمستقبل، وفكر يتحرك على الأرض أسس تلك النواة ليقوم هذا البناء الشامخ.
إعلام اقتصادي
الإعلام جزء من عالمنا المعاصر، وهو شرط ضروري لأي نجاح، من دونه قد تفشل أي مؤسسة في التعبير عن نفسها، وتحقيق أي تواصل مع مجتمعها. وإذا كانت محدودية نشاط البدايات، ومحدودية الإمكانات، قد منعتا من التوجه الإعلامي القوي آنذاك، فإن حيوية النشاط الحالي، وزيادة رقعته، ونمو عدد المشتركين، وضرورات خدمتهم على نحو يلبي رغباتهم ومطالبهم، أضفت على أداء الغرفة بعدا إعلاميا واضحا، يضاف إلى بعده التأثيري الملحوظ في جملة الحياة الاقتصادية.