ما مفردات قاموسك؟
تذكر المصادر التاريخية أن ربعي بن عامر اختير ليمثل قيادة الجيش الإسلامي الفاتح في المفاوضات التي سبقت معركة القادسية والتي دعا إليها الفرس. وتبعا لمراسيمهم في الاستقبال مد الفرس بساطا طويلا يقود إلى مجلس القائد الفارسي رستم ليسير عليه الوافد قبل لقاء كبيرهم، لكن ربعي بن عامر تابع السير فوق البساط ممتطيا صهوة جواده وترجل قرب خيمة رستم وربط فرسه بإحدى الأعمدة الرخامية الثمينة وخطا نحو رستم منتصب القامة حتى إذا وصل إلى مجلسه جلس بقربه، فهب إليه القوم غاضبين لتجاوزه الخطوط الحمراء في جميع مراسمهم وأخذوا يشدونه من تلابيبه ليبعدوه عن قائد الجيش مما أثار حفيظة ربعي ليلتفت إلى مضيفيه زاجرا: "إليكم عني، فأنا ما جئتكم بل أنتم الذين دعوتموني".
إن المواجهة الغاضبة التي نشأت بين الطرفين ربعي والفرس ناجمة عن اختلاف بين عقلين أو منظومتين مختلفتين من القيم، فإنكار الفرس لسلوك ربعي ناجم عن ثقافة أو عقلية تضفي تبجيلا على ملوكهم يرفعهم إلى مرتبة التقديس ويضعهم عاليا جدا فوق مقام الناس مما يستلزم الخشوع والخضوع عند ملاقاتهم أما غضب ربعي العربي الجذور والمسلم العقيدة فناتج عن عقلية أو ثقافة ترى أن الضيف مكرم تكريما خاصا عند مضيفه، وأن الناس سواسية في الكرامة ولذلك فالتذلل والخشوع في محضر الآخرين ليس من أخلاق الأحرار، ولقد نجم الاصطدام عن اختلاف في القيم الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية، فمعنى الحرية والاحترام والكرامة يختلف من جنس لآخر ولكل شعب أو جماعة منظومتها القيمية التي تشكل مرجعيتها الأولى في ترجمة الأحداث، فقيم الحياة تختلف باختلاف الشعوب ومعاني الأشياء تتنوع بتنوع مفردات قاموس كل منا، فالطمع يعتبره البعض طموحا والبخل ترشيدا والنفاق مرونة والحرية والتعبير عن الرأي تترجم عند البعض منبرا للسب والقذف العلني، وما يحدث حاليا من فوضى عالمية يعود بدرجة كبيرة إلى احتدام الخلاف حول منهجية التفكير ونوع إطار القيم الذي يحتويه قاموس كل حضارة أو ثقافة، فقيمنا ذات ارتباط وثيق بهويتنا ولها أهمية كبرى كونها المبادئ الأساسية التي نعيش بها وهي العواصم الكبرى والمدن الرئيسية على خريطة عالمنا وأي تصرف بشكل معاكس لقيمنا يؤدي لشعورنا بعدم الانسجام وإن العلاقات الأقوى بين الأشخاص ليست تلك المرتكزة على القرابة بل المبنية على قيم مشتركة، فنحن نتآلف تلقائيا وسريعا مع الذين يشاركوننا قيمنا ومعتقداتنا الأساسية، وهكذا أسس المسلمون الأوائل روابطهم وأخوتهم العقدية.