كسر احتكارات الغذاء في 2009

خلال العامين الماضيين سجلت أسعار المواد والسلع الغذائية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي ارتفاعا قياسيا، وعانت العديد من الدول شحا في المواد الغذائية الرئيسية مثل القمح والسكر والأرز بعدما وضعت الدول الرئيسية الموردة قيودا على عمليات التصدير للأسواق الخارجية (تايلاند، الفلبين، الهند).
وتعتمد جميع دول الخليج على تلبية احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسية من الأسواق الخارجية، ويشكل الاستيراد من الخارج أكثر من 90 في المائة من استهلاك الدول الخليجية من الغذاء بسبب طبيعة البيئة والظروف المناخية التي لا تسمح إلا لأنواع معينة من المحاصيل والمزروعات لا تكفي لسد الاحتياجات المتزايدة من الاستهلاك.

محاربة الاحتكار

رأينا نقصا في المعروض من السلع الرئيسية في أسواق الغذاء في جميع دول الخليج وبالأخص الأرز، وهو ما قاد إلى ارتفاع أسعارها لأسباب عدة منها قيام المجموعات الاحتكارية "كارتلات" المستوردة لهذه السلع برفع الأسعار بنسب غير منطقية على الرغم من أنه لم تكن هناك أزمات كبيرة في القطاع الزراعي تحتم ارتفاعات خيالية للأسعار غير أن "تحالف الكارتلات" محليا وإقليميا وحتى دوليا هو الذي قاد إلى ذلك.
وإزاء ارتفاع الشكوى من "جنون الأسعار" تدخلت السلطات المعنية لضبط الأسواق, كما حدث في الإمارات حيث سمحت وزارة الاقتصاد للجمعيات التعاونية بالاستيراد المباشر لمجموعة السلع الغذائية الرئيسية مثل الأرز لكسر احتكار "المحتكرين المحليين" وبالفعل نجحت الجمعيات التعاونية إلى حد كبير في توفير مجموعة من السلع الرئيسية بأسعار التكلفة.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل وجدت بعض الحكومات الخليجية نفسها أمام اتخاذ قرارات سيادية وسياسية في ذات الوقت بالاستثمار في القطاع الزراعي خارج أراضيها لتأمين المتطلبات الغذائية الرئيسية لشعوبها وسكانها, كما أعلن في كل من الإمارات والسعودية, حيث تردد أن الحكومتين تعتزمان استزراع أراض في السودان وباكستان.
لقد حاولت "الكارتلات" امتصاص السيولة المتوافرة في الخليج, خصوصا من العملة الصعبة (الدولار), خصوصا أن كميات كبيرة من الدولار كانت متوافرة بكثرة خارج أسواق الولايات المتحدة, وبالأخص في الصين ودول الاتحاد السوفياتي السابق وبعض الدول الأوروبية.
والمؤكد أن ارتفاعات الأسعار, سواء كانت للمواد الغذائية أو مواد البناء أو حتى أسعار البترول في فترة من الفترات وصلت إلى ذروتها وصبت كلها في هدف واحد امتصاص السيولة من مناطق مختلفة من العالم, وهو ما كان له أثره السلبي, تمثل في شح المعروض من المواد الغذائية, خصوصا في أسواق الخليج التي تعتمد في أكثر من 90 في المائة من غذائها على الاستيراد من الخارج, كما لا يوجد لديها مخزون استراتيجي من المواد الغذائية الرئيسية.

دروس من الأزمة

وبعدما استقرت أسعار المواد الغذائية إلى حد كبير أخيرا بعد تحسن إنتاجية المحاصيل الزراعية، يتعين على دول الخليج أن تتعلم من التجربة الأخيرة أن تتبنى كل دولة خليجية استراتيجية غذائية تتمثل في بناء مخزون استراتيجي من مجموعة السلع الغذائية الرئيسية يكفي لمدة زمنية تراوح بين ستة أشهر إلى عام كامل, كما تفعل سلطنة عمان بحيث تلجأ إلى هذا المخزون في أوقات ارتفاعات الأسعار ونقص المعروض من السلع في الأسواق.
كما يتعين على دول الخليج أيضا بما تمتلك من وفرة رأس المال أن تدخل في تعاون مع الدول العربية الزراعية لوضع خطط استزراع الأراضي في هذه الدول, خصوصا من السلع الغذائية الرئيسية مثل القمح والأرز والقمح، وقد يكون ذلك من خلال تأسيس شركة مساهمة عامة للاستثمار الزراعي، وتوزيع المنتجات الزراعية الرئيسية على الدول العربية.
والحقيقة أن بعض الدول توجهت بالفعل للاستثمار الزراعي في دول أخرى مثل السعودية والإمارات لسد حاجتها من المواد الغذائية، وهي استراتيجية طموحة, كما يمكن لدول الخليج أيضا أن تلجأ إلى توقيع عقود مع حكومات لاستملاك أراض زراعية تقوم بزراعتها بمحاصيل غذائية يمكن أن تسهم في سد حاجة أسواقها من السلع الضرورية.

كما أن من بين الحلول المقترحة لمواجهة أية ارتفاعات قياسية في أسعار السلع الغذائية أو نقص المعروض منها الاستيراد الجماعي لدول الخليجي للسلع الرئيسية من الأسواق الخارجية, خصوصا السلع التي يكثر استهلاكها في جميع دول الخليج مثل الأرز، وذلك عبر تشكيل لجنة خليجية معنية بالشراء الجماعي المباشر.

توقعات الأسعار في 2009

التوقعات أن تشهد أسعار السلع الغذائية خلال عام 2009 تراجعا نسبيا مع انكماش الأسواق ودخول الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم "مرحلة الركود" وهو ما سيؤثر في أسعار جميع السلع وليس السلع الغذائية فقط حيث بدأت أسعار مواد البناء في الانخفاض هي الأخرى، وسينتج عن تراجع أسعار السلع الغذائية انخفاض في معدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى معدلاتها بين 11 إلى 14 في المائة، حيث تشكل السلع الغذائية جزءا كبيرا من معدلات التضخم لذلك من المتوقع أن تتراجع إلى 8 في المائة وربما أكثر من ذلك.
وتستحوذ السلع الغذائية على مساحة كبيرة من "سلة التضخم" التي تضم إيجارات المساكن والوقود، ومن شأن انخفاض أسعارها بنسب ليست بالقليلة خلال العام المقبل أن تنخفض معدلات التضخم في جميع دول الخليج وهو ما سيخفف من أعباء المعيشة التي شهدت في السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعات قياسية، كما يتوقع أيضا أن تواصل السلطات المعنية, خصوصا وزاراتي الاقتصاد والتجارة وجمعيات حماية المستهلك خلال العام المقبل جهودها لمحاربة الاحتكار و"الكارتلات", خصوصا أن أسعار السلع سجلت انخفاضا في أسواقها الرئيسية, وبالتالي لم يعد هناك مبرر لارتفاعها في أسواقنا الخليجية.
كما من المتوقع أيضا أن يشجع انخفاض أسعار السلع الغذائية في الأسواق الرئيسية الجمعيات التعاونية ومحال الهايبرماركت في جميع دول الخليج على طرح العديد من العروض السعرية المخفضة للسلع الغذائية بهدف تنشيط مبيعاتها, خصوصا أنها ستعاني تراجع الاستهلاك بسبب تداعيات الأزمة المالية التي ستجبر الكثير من المستهلكين على ترشيد إنفاقهم مع توارد الأنباء عن عمليات تسريح لموظفين في الشركات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي