أسواق الأسهم الخليجية.. من يتحدث؟

عادة ما تُقرأ الأسواق الخليجية كوحدة واحدة وغالبا ما يعتقد المحللون أن شؤون أسواق الأسهم الخليجية يمكن فهمها بطرقة مشتركة على أساس أنها تتمتع بصفات اقتصادية متشابهة وهذا صحيح إلى حد ما. لكن هذه الفرضية لا تجد دعما من تحليل الأحداث التي مرت بالأسواق الخليجية التي أظهرت تباينات في الأداء خلال تلك الأحداث. وبرغم تأثُرها جميعا بالأزمة العالمية إلا أن هذه الأخيرة قد أثرت في جميع الأسواق المالية في العالم وليس في دول منطقة الخليج فقط لذلك لا يمكن اعتمادها كدليل على تشابه أحوال الأسواق الخليجية. كما ذكر آنفا, فإن الأسواق الخليجية أبدت تباينا في استجابتها للظروف الاقتصادية التي مرت بها، ففي بعض الدول تراجعت الأسواق بنسب تجاوزت 70 في المائة من قيمتها السوقية لعام 2005 برغم تحسن أسعار النفط في تلك الفترة، وبينما بقيت أسواق في تذبذب دون اتجاهات صعود أو هبوط حادة حافظت أسواق أخرى على وتيرة من النمو. ومن ناحية تنظيمية فإن هناك تباين واضح في هيكلية الأسواق الخليجية برغم عدم وجود ما يبرر هذه التباينات نظاميا. فبعض دول الخليج لديها هيئة مستقلة عن السوق المالية والبعض الآخر ليس لديه وهناك من لديه أنظمة سوق جيدة ومستقرة نوعا ما والبعض في طور التطوير والتعديل المستمر. هذه الملاحظات في مجملها قد تدحض نظرية تشابه في الأسواق الخليجية لذلك فإن قراءة لتحليل اقتصادي يناقش اقتصاد منطقة الخليج يجب أن تتم بحذر في ضوء هذه التحفظات.
لم يقدم الاتحاد الجمركي شيء يذكر والسوق المشتركة لم تقدم نماذج يمكن الاستناد إليها لمناقشة سوق موحدة لعام 2009 من هنا يبدو مستبعدا أن يظهر للسوق المشتركة أثر في آفاق أسواق الأسهم الخليجية عام 2009، فما زالت حرية حركة رأس المال محدودة وعمليات إدراج أسهم الشركات في أسوق مختلفة تتم على استحياء وبتحفظ شديد.
اندلعت أزمة الرهن العقاري مع أوائل عام 2008 إلا أن آثارها لم تنعكس على الأسواق الخليجية إلا مع نهاية العام عندما تطورت لتصبح أزمة مالية عالمية ومع اعتبار أن تراجع النفط دون مستوى 50 دولاراً للبرميل يحمل إشارةً إلى أن شركات المنطقة ستكون مجبرة على تهدئة إيقاع التوسع الأمر الذي سيؤثر في أرباحها المستقبلية وبالتالي قيمة التدفقات النقدية وتوزيعات الأرباح. هذه التوقعات السلبية انعكست بحدة على أسواق الأسهم الخليجية بل بأكثر مما هو متوقع. فبينما انخفض مؤشر السوق السعودية بواقع 60 في المائة عن مستواه في بدايات عام 2008، انخفض مؤشر سوق الكويت بواقع 25 في المائة والسوق القطرية بواقع 45 في المائة بينما انخفضت سوق دبي 66 في المائة وسوق أبوظبي 46 في المائة وانخفض مؤشر سوق عمان للأوراق المالية بنسبة 48 في المائة و البحرين 30 في المائة. وبرغم هذا التباين في مستوى حدة الانخفاض إلا أن الأسواق الخليجية عامة عكست حالة عدم التفاؤل حول مستقبل أرباح الشركات في أسواق المنطقة بشكل عام. وبافتراض أن هذه التراجعات تمثل توقعات المستثمرين عن أرباح الربع الرابع فإن الأسواق غير مرشحة لمزيد من التراجع خلال الفترة المتبقية من عام 2008 وأوائل عام 2009 . على أنه يصعب التكهن بمستويات الأرباح خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2009 لذلك فإن الحديث عن تحسن كبير في أسعار الأسهم يظل مشكوكا فيه.
وبشكل أكثر تفصيلا فإن أسواق المنطقة تعتمد على حركة أربعة قطاعات رئيسية وهي القطاع المصرفي والقطاع العقاري وقطاع الاتصالات وقطاع البتروكيماويات. فيما يتعلق بقطاع البتروكيماويات فإن التراجع المستمر في أسعار المنتجات البرتوكيماوية أثر بشكل كبير في أسعار أسهم الشركات المنتجة فقد اضطرت شركة "سابك" وهي إحدى أكبر شركات المنطقة في هذه الصناعة إلى خفض الإنتاج في بعض المصانع التابعة لها من أجل المحافظة على مستوى معقول من الأسعار وأغلقت مصانع أخرى للاستفادة من ارتفاع المخزون وإذا كان قطاع البتروكيماويات يشكل حجر الزاوية في سوق الأسهم السعودية ويقع تحته 13 شركة مساهمة تحوي على ثمانية مليارات سهم, فإن ضعف نشاط هذه القطاع سيؤثر بشكل كبير في أداء السوق السعودية أوائل عام 2009.
وإذا كان القطاع الصناعي قد تأثر بالأزمة المالية بصورة غير مباشرة, فإن القطاع المصرفي يعاني عدم الثقة نظرا لتورط عدد من البنوك والمصارف الخليجية في استثمارات خارجية تعرضت بسببها لخسائر كبيرة. تعرضت المصارف في جميع دول الخليج بلا استثناء إلى تراجع واضح في أرباحها برغم محاولات البنوك المركزية لتخفيض أسعار الفائدة. وكنتيجة فإن عدد من البنوك في دول المنطقة تتجه إلى الاندماج وبل حدثت عمليات بيع لحصص بأسعار مثلت خسائر للبائعين وهو ما سيؤثر في أسعار أسهم هذا القطاع بصورة قد يصعب تجاوزها بسهولة في عام 2009 . لذلك فإن هذا القطاع سيكون محور الاهتمام أوائل عام 2009 لكنه يمثل نقطة الضعف الرئيسية في حركة الأسواق المالية.
القطاع العقاري ركيزة مهمة من ركائز السوق الإماراتية لكنه يعاني بشكل كبير أزمة ائتمان, فقد تأثر الرهن العقاري بسبب الأزمة المالية ومع توجه البنوك إلى رفع معدلات الفائدة على القروض العقارية أصبحت السيولة تعاني نقصاً مع صعوبة كبيرة في الحصول على الأموال من السوق الدولية لذلك فإن الضغوط على هذا القطاع تتزايد وبدأ الحديث عن دمج عمليات بعض شركات القطاع. كل ذلك قد يشير إلى انخفاض في أرباح هذا القطاع وبالتالي تقييم أسهمه. على أنه يمكن القول إن السوق قد امتصت كل هذه المعلومات و قامت بتصحيح قوي للأسعار قد يمكنها من التعافي خلال عام 2009.
ويبقى قطاع الاتصالات أكثر القطاعات التي يمكن التفاؤل بنتائجها خلال عام 2009 وبرغم تراجع أسعار أسهم هذا القطاع في معظم الأسواق الخليجية إلا أن مثل هذه التراجع قد يمكن إيعازه للأزمة النفسية التي تعصف بأسواق المنطقة. من التوقع أن يتمكن هذا لقطاع من قيادة الأسواق الخليجية خلال عام 2009.
عمليات الطرح الأولية IPOs في أسواق المنطقة تأثرت بالأزمة المالية العالمية وتراجع الأسواق المالية وضعف التمويل المؤسسي لذلك فإنه من المتوقع أن ينخفض عدد الشركات المطروحة للاكتتاب في دول الخليج بشكل لافت وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس هيئة السوق المالية السعودية بعدم وجود أي شركة جاهزة للطرح خلال الفترة المقبلة، وأن الوضع العام للأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على أسواق المال لا يشجع على انتعاش سوق الطروحات الأولية. لم يحدد تصريح رئيس الهيئة الفترة الزمنية التي ستؤثر في الطروحات الأولية لكن تراجع حدة أزمة الأسواق المالية الثانوية سيكون مؤشرا على عودة الروح للسوق الأولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي