كتاب جديد حول مراجعات الجماعات الإسلامية في مصر
تحولت "المراجعات" خلال السنوات التي مرت منذ إعلان الجماعة الإسلامية المصرية في 5 تموز (يوليو) 1997 مبادرتها لوقف العنف حتى اليوم إلى مصطلح جديد على الساحة الإسلامية المصرية والعالمية يتضمن معاني وجوانب ونتائج متعددة نظرية وعملية، وهو الأمر الذي استلزم أن يكون هناك سعي جدي لدراستها بصورة معمقة تتناسب مع أهميتها الواقعية والتاريخية.
وضمن هذا السعي كان لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وباحثيه خلال السنوات السابقة جهود علمية عديدة لفهم المراجعات ومختلف الأبعاد النظرية والعملية التي تشملها، وهي التي توجت أخيرا بصدور كتاب "المراجعات من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد"، الذي شارك في تأليفه مجموعة من أبرز المختصين بالظاهرة الإسلامية في مصر والفاعلين الرئيسيين فيها.
ويضم الكتاب سبعة فصول، أولها بعنوان "المراجعات: المعنى – السياق – الدلالات" لكاتب هذه السطور ومحرر الكتاب. وتقدم الدراسة تحليلاً لمعنى المراجعات النظري ومضمونها الفكري والعملي وما تتضمنه من تحول تاريخي في طبيعة الجماعتين اللتين قامتا بها، كما تتعرض لتأثيرات السياقين الداخلي المصري والإقليمي، وكيف دفعت إلى إعلان المبادرة ثم تحولها إلى مراجعات، وتستعرض الدلالات الرئيسية التي أفضت إليها في داخل مصر وخارجها، والتي يؤدي معظمها إلى مزيد من تراجع العنف الإسلامي وأفكاره، وأخيراً تحلل العوائق الجوهرية التي قد تعترض مسار المراجعات نحو اكتمالها النهائي.
أما الفصل الثاني حول "الجماعة الإسلامية بين المبادرة والمراجعة"، فكاتبه هو الدكتور ناجح إبراهيم نائب رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية ورئيس تحرير موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت وأحد أبرز صانعي ومروجي مبادرة وقف العنف، وهذه هي المرة الأولى التي يساهم فيها واحد من القيادات التاريخية للجماعة في مؤلف علمي بكتابة مسيرة المبادرة وصولاً إلى المراجعات، موضحاً طبيعتها ودوافعها والأهمية الاستراتيجية لها والملامح الرئيسية للمراجعات ونتائجها داخل مصر وخارجها، وكل ذلك بالطبع انطلاقاً من رؤيته الخاصة كواحد من مؤسسي الجماعة وقادتها وصانعي مبادرتها ومراجعاتها، وهي رؤية قد لا تتفق بالضرورة مع آخرين ليس لهم نفس خبرته أو توجهه الفكري والسياسي.
أما الفصل الثالث حول "خبرة تنظيم الجهاد في المراجعات"، فكتبه الدكتور كمال السعيد حبيب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، الذي يعد بالإضافة إلى خبرته البحثية أحد القادة التاريخيين لتيار الجهاد المصري ومن أوائل من دعوا إلى المراجعة الفكرية بداخله. وتقدم الدراسة عبر مباحثها السبعة تحليلاً معمقاً لخبرة الجماعة الثانية الأكبر من جماعات العنف الإسلامي المصرية مع المراجعات بدءاً من الجذور التاريخية لنشأتها ثم توجه تيار منها نحو العولمة، ومروراً بالتنازع الذي عانته تجاه المراجعات بين تياري العولمة والمحلية بداخلها، وتقديماً للأصوات المراجعة بداخل تنظيم الجهاد، وانتهاء بعرض تحليلي لخريطة المراجعات الحالية بداخل التنظيم.
ويأتي الفصل الرابع حول "المراجعات بين خبرة الجماعة الإسلامية وحالة جماعة الجهاد"، للأستاذ منتصر الزيات المحامي والكاتب المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، وصاحب الخبرة الطويلة في التعامل المباشر مع مختلف قضاياها وجماعاتها وأبنائها. وتتعرض الدراسة لبداية المراجعات مع جماعة الإخوان المسلمين بنوعيها الاختياري والقسري، ثم بعدها لمراجعات الجماعة الإسلامية بدءاً بالآليات الفكرية والتنظيمية التي اتبعتها قيادتها لنشرها بين أعضائها والدور الذي قام به المؤلف في ترويج المبادرة، ثم بعد ذلك المراحل المتتابعة التي مرت بها وصولاً إلى المراجعات، ثم تحليل مبادرة ومراجعات الجهاد المتأخرة، وصولاً إلى عرض خبرة ودروس المراجعات لدى كل من الجماعة والجهاد.
أما الفصل الخامس فهو للأستاذ نبيل عبد الفتاح مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورئيس وحدة الدراسات الاجتماعية به، ويدور حول "الخطاب الإسلامي الراديكالي المتغير: فقه المراجعات، وإشكالياته، وإعاقاته"، وتنقسم هذه الدراسة إلى أربعة محاور رئيسية: أولها عرض وتحليل قضايا وقف العنف والمبادرات والمراجعات وما يرتبط بكل منها من حدود وسياقات ومتغيرات. وثانيها استعراض وتحليل موسعان للمبادرة والمراجعة الجهادية من حيث الأصول والعلاقات والمسارات التي اتخذتها. وثالثها تحديد مفصل لإشكاليات المبادرة الرئيسية والتحديات التي تواجهها،. ورابعها وآخرها رسم خريطة الإعاقات الرئيسية التي تقف أمام التحول الكامل لفقه العنف والخطاب الإسلامي الراديكالي.
ويكتب دراسة الفصل السادس الدكتور عمرو الشوبكي رئيس برنامج العلاقات العربية – الأوروبية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبير به، وموضوعها "الجماعات الجهادية والمجال السياسي: من المعضلات الفقهية إلى تحديات الواقع". وتبدأ الدراسة بتحليل ظاهرة العنف الديني والقراءات المختلفة لها، ثم تستعرض مضمون المراجعات الجهادية لكل من الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، لتنتقل بعدها إلى تحليل المراجعات بين زمنين من الاقتراب الفقهي إلى الواقع السياسي، ولتنتهي بفحص وتحليل قضية المراجعين والمجال السياسي، وهو ما يشمل تعقيدات العلاقة بينهم وبين التيارات الإسلامية السلمية منذ نشأتها وبخاصة مع جماعة الإخوان المسلمين التي يتناولها بأبعادها الزمنية الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل.
ويأتي الفصل السابع والأخير للدكتور وحيد عبد المجيد مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورئيس وحدة الدراسات العربية فيه، وموضوعه "مستقبل العلاقة بين الدولة وأعضاء الجماعة والجهاد بعد المراجعات". وتبدأ الدراسة بتحليل غياب الرؤية المستقبلية عن مراجعات الجماعة والجهاد، لتنتقل بعدها إلى عرض السيناريوهات الخمسة المحتملة للعلاقة بين أعضاء الجماعتين والدولة المصرية: وأولها هو سيناريو العودة إلى العنف أو إطلاقهم عنفا جديدا، وثانيها هو تشكيلهم حزباً سياسياً، وثالثها هو سيناريو العمل السياسي غير الحزبي مستقلاً عن الدولة أو بالتعاون معها، بينما يتمثل السيناريو الرابع في المشاركة في العمل العام عن بعد، ويأتي العمل الدعوي الخالص ليكون السيناريو الخامس والأخير.