الوطن العربي بحاجة إلى هوية مشتركة كونه يمر بأزمات كبيرة
الوطن العربي بحاجة إلى هوية مشتركة كونه يمر بأزمات كبيرة
أكد تركي السديري رئيس اتحاد الصحافة الخليجية ورئيس تحرير جريدة "الرياض"، أن الوطن العربي هذه الأيام هو أحوج ما يكون إلى هوية مشتركة كونه يمر بأزمات كبيرة كما يمر أنحاء كثيرة منه بحالة تراجع للخلف سواء فيما يخص الاقتصاد الذي هو عصب الحياة هذه الأيام أو فيما يخص تعدد جبهات الصراع القائمة بالفعل التي تتحول إلى دموية في بعض الحالات.
وأشار السديري في ندوة بعنوان (الصحافة الخليجية وقضية الهوية المشتركة) ضمن فعاليات مؤتمر ومعرض الإعلام والإعلان 2008 في قطر الذي تنظمه جريدة "الشرق" في الدوحة في الفترة من 14-17 كانون الأول (ديسمبر) الجاري إلى أن منطقة الخليج العربي لها مجموعة من الخصوصيات التي يفترض أن توجد لها هوية مشتركة تحميها من الوقوع مما وقعت فيه عديد من البلدان العربية.
وأضاف "أن من عناصر الصحافة العربية فيما قبل الأربعين عاما الماضية نلاحظ أن ما كان يعد تنويرا في ذلك الوقت لم يعد عن كونه وجهات نظر لفئات سياسية أو حزبية بعينها أدت إلى تشعيب كثير من المشاكل وكانت عاملا في تفاقم عديد من الأزمات وفي المقابل لم تلعب أدوار التهدئة أو تقريب وجهات النظر".
ولفت السديري إلى أن عديدا من الشخصيات الصحافية في ذلك الوقت كرست لجعل الصحافة ذات منهج سلبي أكثر مما تبنت من مناهج إيجابية، كما استخدمت الصحافة العربية في إحدى مراحلها لتصفية حسابات بين فئات وأخرى في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الصحافة العربية هي النبراس الذي يكشف مكامن الخلل وليست التي تسير في مواقع الخطأ.
#2#
واعتبر السديري أن حرية الصحافة استخدمت أيضا في أغراض لم توجد لها في الأساس وبمبالغة كبيرة حيث وصلت إلى أن تكون ستارة حماية للتجاوزات بدلا من أن تكون صمام أمان مجتمعيا، منوها بأن ذلك لا يمكن سحبه على جميع الصحف العربية ولكنه ينسحب على نوع من الصحافة نعرفها جميعا في الوطن، مشيرا إلى أن هذا النوع يستخدم كأداة لتدمير الاقتصاد الوطني لبلدانها لا أداة داعمة لخطط التنمية تحت ذرائع عديدة.
وأوضح السديري أن منطقة الخليج العربي لديها محفزات والتي تعتبر قواعد لهوية مشتركة لتلك المنطقة تنظم الجهود كما تقرب وجهات النظر في كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك في تلك المجتمعات، منوها بأن العقبات التي تواجه هذه الهوية المشتركة هي فقط انغلاق بعض فئات المجتمع الخليجي وليس المجتمع كله، ومحدودية التجربة لبعض الفئات.
وقال رئيس اتحاد الصحافة الخليجية "إن الهوية المشتركة للصحافة الخليجية المطلوبة يجب أن تواكب أوضاع العالم بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص، كما يجب أن تكون هذه الصحافة درعا واقيا ضد المخاطر التي تحدق بالمنطقة بين حين وآخر كما تلعب نفس الدور المرجو منها وهو العمل على تلاقي فكر الشعب الخليجي".
وأردف قائلا "دول الخليج تملك ثروات طائلة كما أن لديها خصوصية في أن عدد سكانها لا يزال صغيرا نسبيا مما يشكل ميزة لم تعد متاحة لعديد من البلدان العربية، مما يسهم في قدرة احتواء هذا العدد من ناحية الدولة، كما أن كل فرد يمكنه أن يحصل على حقوقه كاملة، كما أن لديه الفرصة أن يؤدي واجباته بشكل يرضيه لافتا إلى أن المنطقة قد تحتاج إلى استيعاب عديد من العناصر العربية وغير العربية لسد الحاجة في بعض المناحي مع ملاحظة الحفاظ على التوازن بين الهويات بشكل مقبول.
وأكد أن مسألة الوعي العام هي قضية تهم الصحافة في المقام الأول كما أن تنمية وتربية الوعي العام هو واجب مشترك بين جميع فئات المجتمع لا فرق بينهم في ذلك ومن هنا فهناك قاعدة يجب أن نتوقف عندها كثيرا وهي أعطني وعيا عاما في أي مجتمع أعطيك حصانة لهذا المجتمع، فمن السهولة بمكان أن نصل إلى تصنيع بمستوى ما أو اقتصاد بشكل ما، أما بناء وعي عام فهذا ليس بسهل كما يتصوره البعض.
وأضاف "فلو تتبعنا أوضاع الدول المتقدمة فلا يمكن أن يحدث مثلا كما حدث في موريتانيا أخيرا لأن الوعي العام لدى المواطن البسيط يعلم معايير المواطنة التي يحملها على عاتقه مما يحمي الأمور من الخروج عن نصابها الطبيعي منبها إلى أن الصحافة الخليجية ملزمة بخلق وعي عام مسئول يحقق التطور والتقدم لأن الوعي العام هو ما يخلق المواطن الحارس الدقيق والمواظب على الحفاظ على مقدرات وطنه".
وقال السديري "إن ما تمر به دول الخليج يعد فرصة نادرة ليست سهلة التكرار فإن لم نبن ذلك الوعي العام في غضون 30 عاما المقبلة فربما لن تتكرر هذه الفرصة الذهبية التي نمر بها في دول الخليج"، مشيرا إلى أن المسؤول الأهم عن هذه المهمة هي الصحافة الخليجية، مشددا على أنه عند وجود صحافة ملتزمة وواعية بأدوارها الاجتماعية وبأهمية المرحلة التي تمر بها المنطقة فسنكون قادرين على تحريك الأمور إلى الأمام، منبها إلى أن منطقة الخليج هي من المناطق المستهدفة ممن لا يعجبهم أن تكون منطقة الخليج متميزة بأوضاع خاصة، ولاسيما في الاقتصاد على سبيل المثال فنجد أن هناك كثيرا من التشكيك في مصداقية هذا التطور الذي وصلت إليه المنطقة، مشيرا إلى أن المسؤول عن تصحيح هذه المفاهيم هي الصحافة الخليجية بالدرجة الأولى.
واعتبر رئيس تحرير جريدة "الرياض" أن الظروف مواتية لذلك التصحيح، حيث تمتلك الإمكانات الأكبر سواء المادية أو البشرية من أي صحافة عربية اليوم منوها بأن ذلك وليد متابعة مستمرة لأوضاع الصحافة العربية ومتابعة ما يكتب وما لا يكتب في منطقة الخليج وخارجها.
ونوه السديري بأهمية التعليم ومحاولة غرس المفاهيم التربوية التي تنتقد الوضع الخاطئ ومحاولة استيعاب التطوير وهي من مهام الصحافة الحديثة مع مراعاة عدم التصادم عن طريق تمرير وجهات النظر القابلة للنقاش بحوارات من شأنها تكريس المفاهيم الإيجابية مؤكدا أهمية اغتنام الفرصة التاريخية التي تمر بها منطقة الخليج لإقامة مجتمع خليجي ليس مشترك الهوية الصحافية فقط ولكن يجب تأصيل الواقع الجغرافي المشترك مع الحفاظ على خصوصية هذه الشعوب وهذا لا يفسد الهوية المشتركة بل يؤصلها، فمنا من ينادي بتحرير فلسطين وكان بالأحرى أن يبدأ بتحرير الجزر الإماراتية المحتلة مثلا كما يأتينا من آخر الدنيا من يريد أن يطبق على الشعوب الديمقراطية غير مكترث بأن بعض تلك الشعوب لا تملك الخبز.
وأكد السديرى أن الصحافة الخليجية اليوم تخطت أي نموذج صحفي عربي آخر.
وفي تصريح له عقب الندوة قال الدكتور أحمد القديدي رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية ومقرها باريس إن قضية التربية هي من القضايا المطروحة اليوم على الساحة الدولية، ولاسيما العربية لأنها مثل البرج الذي تبنيه حيث يجب أن تلتفت إلى الأساس، والأساس هنا هو التربية وأهم ما فيها هو تحديث فلسفة التربية ومن ثم تحديد أي مواطن نريد غدا وهو السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرح في الدول العربية إما على مستوى كل فرد على حدة وإما بالتنسيق عن طريق الآليات العربية مثل الجامعة العربية أو منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للجامعة العربية، وذلك ليحقق ما نتمناه لنا من حرية وتطوير حيث إننا اليوم نعيش في عالم تحكمه العولمة ولا يمكننا الانغلاق على أنفسنا.
وقال رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية "إن التربية في العالم العربي لكي نصل إلى ما نصبو إليه يجب أن يعاد فيها النظر بشكل جذري بمعنى أدق وأكثر صراحة وهو أن نشحن تلك التربية بعقلية رفض المسلمات والتعبير الحر عن الرأي لدى الصغار كما يقول أستاذنا في السربون (دومنيك شوفرييه) "بأن الحضارة تمشي بـ(لا) ولا تمشي بـ(نعم)" تتقدم بالرفض فإن لم يرفض رسولنا الكريم المجتمع الجاهلي الظالم فكيف وصلت لنا مشاعل النور الذي حمله للبشرية ولم يبن أسلافنا الحضارة الإسلامية".
وقال القديدي "نحن مع ثقافة أخرس السائدة اليوم في الوطن العربي كيف لنا أن نتقدم حيث إننا لن يكون لدينا مواطن مبدع لا خاضع للنواميس والواقع والدليل على ذلك أننا اليوم..الأمم تصنع، الأمم تصدر، الأمم تبتكر ونحن فقط نستهلك ومن ثم فنحن على منزلق خطير في الوطن العربي والتربية هي العلاج".