الغرف التجارية واقع في حاجة إلى تغيير
منذ أيام تلقى أصحاب الأعمال كما هائلا من الرسائل القصيرة التي تستحث التصويت لمرشح أو لائحة مرشحين, ونشط الأصدقاء في التأكيد على هذا وذاك بأهمية الحضور والتصويت ولا يهم إذا لم يكن عن قناعة بأحقية المرشح فلتكن فزعة لصديق أو محسوب. على كل حال ليس هذا هو الموضوع وإن كان مدخلاً له, حيث إنني اطلعت على بعض برامج المرشحين, التي تفاوتت بصورة كبيرة, فمنها ما كان معدا بطريقة مكلفة جدا احتوت على مطبوعات أنيقة وبرنامج لقاءات وورش عمل في البحرين وشرم الشيخ وبيروت (كل حسب رغبته), وأخرى متواضعة في مطوية بسيطة ولكن الملاحظ فيها أن المضمون والرؤية تكاد تكون واحدة, حيث هي الوعود نفسها التي سبقهم بها مرشحو الفترات السابقة, وهو ما يوحي بأن أهداف المرشحين الجدد هي نفسها أهداف الأعضاء السابقين, لا أرى منهم راغبا في التغيير.
وما دمنا في عصر يقتضي التغيير فكثير من المعطيات السابقة بات مختلفاَ وصار لزاما علينا البحث عن أساليب وطرق وربما أدوات تحقق لنا قدراً من الفاعلية أخفقنا في تحقيقها بما لدينا الآن, نعم هذا الكلام عام وينطبق على كثير من شؤوننا ولكن سأكون دقيقاً فيما يلي من طرح. المعروف أن الاقتصاد السعودي حقق قفزات نوعية من حيث الاستثمار في قطاعات إنتاجية جديدة وأيضا تخطى مجمل الناتج القومي عتبة التريليون ريال منذ سنوات, وبات يشار إلى اقتصاد المملكة بأنه اقتصاد واعد ويمثل قبلة المستثمرين والمشترين والبائعين, وبما أن هذا الاقتصاد بات كذلك في حاجة إلى آليات جديدة تزيد من كفاءته وقدرته على منافسة الاقتصادات الأخرى, وهنا لا يفوتني أن أنوه برؤى وخطط الهيئة العامة للاستثمار في سبيل تطوير تنافسية الاقتصاد السعودي وهو ما لن أخوض فيه في هذا الطرح, حيث ما أعمد إلى مناقشته هو دور الغرف التجارية في ذلك, فالغرف التجارية بمداخيلها الكبيرة, خصوصاً تلك الكبيرة منها, لا نكاد نلمس من أدوارها إلا عددا محدودا, فهي من خلال اللجان المتخصصة لا تقوم بدور كاف فيما يخص تطوير القطاعات وتنميتها, والسبب فيما أعتقد أن اللجان, وهي المنوط بها تطوير وتذليل الصعوبات التي تواجه القطاعات التجارية والصناعية غير فاعلة بالقدر اللازم, وأنا هنا لا أنتقص من الجهود المعطاءة التي يبذلها بعض أعضاء اللجان ولكن الواقع التنظيمي لتلك اللجان وضعف صلاحياتها وكون قراراتها معلقة بأمانة الغرفة, وتخضع لفلترة مجلس الغرفة يجعل منها أسيرة للأجندة التي تتبناها الأجهزة التنفيذية في الغرفة ناهيك عن ضعف مواردها المالية بحيث لا تستطيع أن تقرر أي مبادرة مكلفة مالياً دون أن تنال مباركة الأمانة والمجلس إلا إذا رغب أعضاء اللجنة ـ جزاهم الله خيرا ـ أن يتبرعوا بذلك.
لا شك أن الغرف التجارية باتت مثقلة بعدد اللجان, حيث بات لكل قطاع تجاري لجنة, وهم مستمرون في خلق لجان جديدة, ولن يمضي وقت طويل حتى نرى لجانا لموزعي الجولات ولجانا للمطاعم وأخرى للحلاقين .. إلخ, ولا غرابة في ذلك, فكلهم مشتركون في الغرف التجارية ولهم الحق في التمثيل المناسب وستستمر تلك اللجان في الاجتماع والمناقشة والتقرير والرفع لمباركة أمانة الغرفة ومجلسها الموقر ويستمر مسلسل ضعف الفاعلية لدى قطاعات الأعمال.
إن ما هو واقع في كثير من الاقتصادات الأخرى المتميزة عالمياً لا يماثل ما عندنا, فالغرف التجارية لديهم ليست قطاعا شبه عام يمارس فيه فئة محدودة تسيير قطاعات الأعمال وفق مفاهيم وقناعات خاصة, فالغرف التجارية لديهم ممثليات وأجهزة تنسيق وترويج لتنمية قطاعاتها, وهناك جمعيات مهنية تهتم بتنمية كفاءة مهنية معينة وأخرى قطاعية تهتم بتنمية فاعلية قطاعات محددة, تنظم قدرتها على التنافس وتساعدها على تحقيق الأداء الأمثل لها وتنظيم المعارض والمؤتمرات والندوات التي تكسب القطاع العمق المعرفي والقدرة على المنافسة الخارجية.
إن واقع الاقتصاد السعودي اليوم, وبما لديه من طموحات وما يواجهه من تحديات, في حاجة إلى تغيير واقع الغرف التجارية, فبدلاً من أن تكون نوادي تأثير للنخبة يجب أن تكون أدوات تنمية لقطاعات الأعمال, وأن تطور تلك اللجان القطاعية لديها لتكون جمعيات مستقلة لها مواردها المالية وبرامجها حتى ينطلق عقالها وتصبح فاعلة وقادرة على تحقيق طموحات أعضائها.