إفريقيا تجتهد في استقطاب استثمارات خليجية
تطرح الدول الإفريقية نفسها كبديل طبيعي للاستثمارات الخارجة من دول مجلس التعاون الخليجي, وذلك على خلفية الأزمة المالية العالمية. فمن جهة ترى الدول الإفريقية أنها تستحق الحصول على التدفقات الاستثمارية الخليجية, نظرا للقرب الجغرافي بين إفريقيا ودول مجلس التعاون. ومن جهة أخرى، تأمل الدول الإفريقية جلب استثمارات خليجية للتعويض عن الخسائر المالية المرتبطة بانشغال العالم الغربي بمعالجة تداعيات الأزمة المالية بدل التوجه لحل المشكلات التي تعانيها القارة السمراء.
تأمل الدول الإفريقية الاستفادة من جانب من قيمة الصناديق الاستثمارية السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي التي تبلغ 1500 مليار دولار. وبشكل أكثر تحديدا، ترغب الدول الإفريقية في توظيف بعض الاستثمارات الخليجية في تطوير البنية التحتية, خصوصا قطاعي الاتصالات والزراعة, وهذا ما يتحقق فعلا على أرض الواقع.
مصادر للتمويل
تم تسجيل وجود إفريقي مميز في مؤتمر تمويل التنمية, الذي أنهى أعماله في العاصمة القطرية (الدوحة) بتاريخ 2 كانون الأول (ديسمبر) الجاري. وكان لافتا حضور قادة أفارقة مقابل غياب زعماء العالم الغربي باستثناء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. كما غاب عن المؤتمر قادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خوفا من تقديم التزامات مالية محددة في ضوء الأزمة المالية العالمية المرتبطة بأزمة الرهن العقاري, التي بدأت من الولايات المتحدة في فصل الصيف. وكان واضحا منذ الوهلة الأولى أن الدول الإفريقية تبحث عن مصادر لتمويل التنمية في القارة مترامية الأطراف. إضافة إلى ذلك، حضر عديد من المسؤولين الأفارقة فعاليات منتدى تنمية التعاون الاقتصادي الخليجي الإفريقي, الذي عقد في البحرين بداية الشهر الجاري برعاية (كرانس مونتانا). من جملة الأمور تم تأسيس المنتدى, مجلس أعمال خليجي إفريقي بهدف تنمية الاستثمارات والاستفادة من المشاريع المشتركة وتبادل الخبرات حتى يتسنى تحقيق نوع من التكامل الاقتصادي بين الجانبين.
قطاعا الاتصالات والزراعة
يعيش في إفريقيا نحو 965 مليون نسمة يشكلون فيما بينهم 14 في المائة من سكان العالم, ما يعني أن سكان القارة السمراء يشكلون فيما بينهم سوقا واعدة لخدمات الجوال والإنترنت والهاتف الثابت, فضلا عن الخدمات الأخرى في صناعة الاتصالات ما يشكل سوقا واعدة.
في السنوات القليلة الماضية، بدأت شركات الاتصالات الخليجية, خصوصا شركة الاتصالات الإماراتية لعب دور محوري في قطاع الاتصالات في الدول الإفريقية. فقد حصل "كونسورتيوم" يشمل شركة الاتصالات على رخصة التشغيل الثالثة للهاتف النقال في مصر في وقت سابق من العام الجاري بقيمة 2.89 مليار دولار. كما تمتلك (الاتصالات) 82.5 في المائة من أسهم شركة فانار, التي حصلت عام 2004 على ثاني رخصة لتشغيل خدمة الجوال في السودان لمدة 15 سنة. كما تمتلك الشركة الإماراتية 51 في المائة من أسهم شركة زيناتل في تنزانيا. والأهم من ذلك، استحوذت شركة الاتصالات على 70 في المائة من أسهم شركة أتلانيتك تيليوكوم, التي تمتلك حصصا في عديد من الشركات العاملة في قطاع الاتصالات في الدول الإفريقية مثل ساحل العاج, الغابون, والنيجر. بدورها قامت شركة زين الكويتية عام 2005 بشراء حصة مؤثرة في شركة سيلتيل بقيمة 3.6 مليار دولار. لدى الشركة زبائن يزيد عددهم على 20 مليون فرد يعيشون في 15 دولة إفريقية تشمل كينيا, نيجيريا, وزامبيا.
من جهة ثانية، تعمل الدول الإفريقية على استقطاب الاستثمارات الخليجية لتطوير القطاع الزراعي, مستفيدة من رغبة دول مجلس التعاون في تأمين وتوسيع مصادر تمويل المنتجات الزراعية. لدى الإمارات مشروع لتطوير 70 ألف فدان في السودان لغرض تنفيذ مشاريع زراعية بالاستفادة من التقنية الحديثة. يتمتع السودان بوفرة المياه فضلا عن المساحة (يعد السودان أكبر بلد عربي من حيث المساحة).
محاربة الفساد
حسب تقرير الاستثمار العالمي لعام 2008 المنبثق من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) بلغ حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة (الواردة) في إفريقيا عام 2007 53 مليار دولار مشكلا نحو 3 في المائة من قيمة التدفقات العالمية. الملاحظ تسجيل نمو مطرد للتدفقات في السنوات القليلة الماضية, حيث بلغت 46 مليار دولار عام 2006, فضلا عن 30 مليار دولار عام 2005. من حق إفريقيا الحصول على مزيد من الاستثمارات المباشرة, لكن لكل شيء ثمن.
المطلوب من الدول الإفريقية تحسين صورتها فيما يتعلق بمحاربة الفساد المالي والإداري حتى تتمكن من استيعاب إمكاناتها بشكل صحيح, وبالتالي تنجح في استقطاب مزيد من الاستثمارات الخليجية. يشار إلى أن الدول الإفريقية على أسوأ النتائج في ترتيب الدول في تقرير مدركات الفساد لعام 2008 الصادر من قبل منظمة الشفافية الدولية. فقد حلت الصومال في قاع الجدول الذي يشمل 180 بلدا في العالم. وكانت أحسن نتيجة للدول الإفريقية من مصلحة بوتسوانا حيث في المرتبة رقم 36 على مستوى العالم. تعرف منظمة الشفافية الدولية "الفساد بأنه سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية".