الأضحية مثال التكافل الاجتماعي

من نعم الله على أمتنا الإسلامية تكرار المناسبات التعبدية التي شرع الله فيها التقرب إليه بالعبادات من أقوال وأفعال، ومن هذه المناسبات، مناسبة الحج التي تمر علينا هذه الأيام وما يرافقها من هدي يقدمها الحجاج، وأضاح وصيام، وذكر وتكبير بحيث تتحول المجتمعات الإسلامية إلى ما يشبه خلية النحل، وذلك بما يقوم به الناس من عبادات واجبة ونوافل يقومون بها استشعارا منهم بأهمية هذه المناسبات وضروروة استغلالها بالشكل الذي يقربهم إلى الله ـ سبحانه وتعالى. وبتصفح الجرائد ومتابعة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية يلمس الفرد الاهتمام بهذه المناسبة على جميع المستويات، الرسمية، وغير الرسمية، وعلى مستوى الجمعيات، ومستوى الأفراد، إضافة إلى العلماء، والمفكرين والمثقفين، كل هؤلاء وغيرهم يتناولون هذه المناسبة، ويسهمون في إبراز أهميتها, وضرورة استثمارها لما فيه صالح الفرد والأسرة، والمجتمع الكبير. فمن مرغب في الصيام وحاث عليه, ومن مرغب في الأضحية ومبين أحكامها وشروطها، إلى أفراد وجمعيات يسعون إلى جمع الأضاحي، وتوزيعها على مستحقيها في الأحياء والقرى والبلدات، وذلك لأن هذه الجمعيات, أو الأفراد لديهم معلومات عن أفراد وأسر يستحقون إعطاءهم الأضاحي نظرا لظروفهم الاقتصادية الصعبة. تأملت في هذه المناسبة ووجدتها تمر علينا هذه السنة في ظروف صعبة خاصة بعد الأزمة المالية، وانهيار سوق الأسهم، كما أن هذه المناسبة السعيدة تأتي على بداية فصل الشتاء بما يتطلبه هذا الفصل من متطلبات الغذاء والكساء, كما جاءت هذه المناسبة أيضا بعد بداية الفصل الدراسي, وما يتطلبه هذا الموسم من نفقات على الاحتياجات المدرسية. مناسبة العيد المرتبطة بالأضاحي تمثل فرصة للقادرين على ممارسة التكافل الاجتماعي، وإشعار الأفراد والأسر سواء داخل المجتمع المحلي أو خارجه بأن الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر, وهذا يدخل البهجة والسرور على الجميع. الاهتمام بهذه المناسبة يأخذ صورا متعددة, كلها تؤصل مفهوم التكافل الاجتماعي معنى وممارسة، وأولى هذه الصور التوعية، وتزويد الناس بالمعارف حول أهمية هذه الأضحية, كما أن التوعيه تستهدف تشجيع الناس, ولا سيما القادرين منهم على استغلالها والبذل فيها, ولهذا الغرض وجدت برامج إذاعية وتلفزيونية يشارك فيها العلماء والمشايخ يبينون رأي الشرع في كثير من القضايا ذات العلاقة بالأضاحي ويحثون على ممارسة هذه الشعيرة. ولفت نظري الجهد الذي تقوم به أمانة مدينة الرياض بشأن أسعار الأغنام حيث تعرض تقريرا يوميا من خلال الصحف حسب أنواعها, ومصدرها، ووزنها سواء كانت وطنية, أو مستوردة, ولاحظت أن الأسعار تراوح من 650 ريالا إلى ما فوق 1300 ريال. وبإلقاء نظرة على هذه الأسعار نجد أنها تفوق قدرة كثير من الأسر, ولذا تأتي قيمة وأهمية استشعار الأضحية في المجتمع الإسلامي, إذ يؤكد الشرع توزيع الأضحية إلى ثلاثة أجزاء، ثلث يأكله أهل الأضحية، وثلث يعطى الفقراء، وثلث يهدى، وذلك لتمتين العلاقة بين أفراد المجتمع, وشعور أفراده كافة بطعم المناسبة وحلاوتها . لقد أبهج نفسي تعدد الجهود الفردية والمؤسساتية التي تستهدف تلمس جميع المحتاجين إلى المساعدة أينما كانوا داخل الوطن أو خارجه, وهذا يتمثل في برامج الأضحية التي تؤخذ قيمتها ليتم ذبح الأضحية في المكان الذي يوجد فيه الفقراء، الذي يحدده من يخرج الأضحية, إضافة إلى الجهات التي تستقبل الأضاحي، وتقوم هي بدورها بتوزيعها على المحتاجين. مع الفضل الذي مَنّ الله به على معظم أبناء هذه البلاد وغيرها من بلدان العالم الإسلامي يكون التحرك من الدائرة الضيقة المتمثلة في الأهل والأقارب والجيران، وتوسيع دائرة استثمار هذه المناسبة في توثيق العلاقة بين أبناء الأمة بغض النظر عن المكان، والعرق دونما نسيان مَنْ هم في الداخل. لقد سعدت وأنا أسمع خبراً مفاده أن مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة قد أفتى بأن أهل غزة أولى بالأضحية, وذلك إدراكا منه للواقع البائس الذي يعيشه أهل غزة من حصار جائر، ومنع للمؤن، والأدوية والوقود، وما زاد سروري هو مبادرة الشعب المصري للمشاركة في الوقوف مع أبناء القطاع من خلال إرسال أضاحيهم إلى القطاع, وسارعت اللجنة الإنسانية في اتحاد الأطباء العرب في مصر، وتبنت هذه الفتوى، وفتحت أبواب جمع أموال الأضاحي حتى أن المصريين جاءوا من مختلف المناطق لدفع قيم أضاحيهم بغرض بعثها إلى قطاع غزة، وما حدث في مصر يحدث لدينا في المملكة على مختلف المستويات, ولجميع جهات العالم، وأينما وجد المسلمون المستحقون سواء من خلال برنامج الأضاحي الذي يشرف عليه البنك الإسلامي للتنمية, أو من خلال جهود الجمعيات الخيرية، التي شكلت خبرة جيدة لا يستهان بها في هذا النشاط الحيوي والمهم، كما أن ما تبذله الندوة العالمية للشباب الإسلامي في هذا المجال يعد نشاطا يحتسب لها بهدف تضميد جراح المسلمين ولو في جانب من الجوانب. وإذا كانت قيمة الأضحية متعددة الجوانب من أجر وثواب للمضحي, وفرح بلحمها من قبل الفقراء والمحتاجين, فإن لها فوائد أخرى مهمة حيث تنشط الحركة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي، وبين أقطاره، وقد قرأت خبرا مفاده أن السودان سيورد للمملكة, وخلال أسبوع واحد فقط 350 ألف رأس من الغنم، كما قرأت أن المملكة استهلكت العام الماضي سبعة ملايين أضحية, ولو قدرنا متوسط الأضحية بـ 800 ريال، عليه ستكون المبيعات تفوق خمسة مليارات ريال.
وفي هذا الرقم دلالة اقتصادية كبيرة سواء للمستوردين أو المصدرين أو الوسطاء والناقلين, وغيرهم من ذوي العلاقة. الأضاحي لها فوائد جمة أخرى, وذلك لو تمت الاستفادة القصوى من الجلود، والأصواف، والعظام، والأظلاف، والأظفار. حتى يتم استثمار هذه المناسبة أرى أهمية بذل جهود إضافية خاصة بشأن وضع خريطة سكانية للمسلمين في جميع أنحاء العالم تبين الظروف الاقتصادية والظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشونها, وهذا أمر ليس بالمستحيل خاصة في هذا الوقت الذي توافرت فيه التقنية ما سهل الاتصال بين المسلمين في كل أرجاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي