مرئيات الأمم المتحدة حول تعزيز الإدارة الاقتصادية العالمية
شاركت في جانب من فعاليات مؤتمر تمويل التنمية الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة القطرية (الدوحة). الاسم الكامل والمطول للفعالية هو (مؤتمر المتابعة الدولي لتمويل التنمية المعني باستعراض تنفيذ توافق آراء منتيري) في إشارة إلى المؤتمر الأول الذي انعقد في المكسيك في عام 2002. بيد أنه سيطرت تداعيات الأزمة المالية العالمية التي لم تنته فصولها حتى الآن على فعاليات المؤتمر بدلا من متابعة الآراء التي تم التوافق عليها قبل ست سنوات.
فقد لفت نظري ورقة عمل قدمتها الأمم المتحدة تتناول أسباب اندلاع الأزمة المالية العالمية وبعض الحلول المقترحة. وعليه نرغب في مشاركة القراء حيثيات الورقة الأممية المتميزة التي ترجع الأزمة إلى وجود نوع من الاختلال فيما يخص الاقتصاد العالمي وتحديدا مسألتي الفائض والعجز لفترة غير قصيرة.
فائض مقابل عجز
ترى الورقة أن الفوائض المالية لبعض الدول الآسيوية وفرت الفرصة للولايات المتحدة ودول غربية أخرى للإنفاق غير المقيد. وبلغة الإحصاءات، تراكمت لدى دول واقعة في غرب آسيا وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي فضلا عن بلدان أخرى واقعة في شرق آسيا مثل الصين واليابان وسنغافورة أموال تزيد على أربعة آلاف مليار دولار (أي أربعة تريليونات دولار). تبلغ القيمة المالية للصناديق السيادية (غير الأصول التابعة للأفراد والمؤسسات) لدول المجلس الخليجي نحو 1500 مليار دولار (أي تريليون ونصف التريليون دولار). تأتي الإمارات في المرتبة الأولى خليجيا، حيث يبلغ حجم أصول صندوقها السيادي نحو 875 مليار دولار).
كما أشارت الورقة للمزيد من الإحصاءات المثيرة مثل تسجيل عجز تجاري قدره 815 مليار دولار للولايات المتحدة مقابل فائض قدره 200 مليار دولار لكل من اليابان والصين على حد سواء في عام 2007. كما استحوذ الأجانب على ثلاثة تريليونات دولار من الأوراق المالية التابعة للخزانة في العام 2007. تمكنت بعض الدول الغربية من تمويل العجز المالي والعجز التجاري بواسطة الأموال المقبلة من الدول الآسيوية، لكن لكل شيء ثمن.
تحفيز النمو الاقتصادي
وتشير ورقة الأمم المتحدة إلى موافقة خبرائها الاقتصاديين لمقترحات تصحيحية تشمل حفز التوسع في الاقتصادات التي تتمتع بفوائض مريحة مقابل تخفيض مستويات العجز والاستدانة في الولايات المتحدة خصوصا، لكن مع بعض الفرضيات. وتتركز هذه الفرضيات حول العمل على تجنب حدوث هبوط حاد لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة نظرا للأهمية النسبية الكبيرة للاقتصاد الأمريكي. يبلغ حجم الناتج المحلي الأمريكي نحو 14 ألف مليار دولار مقابل أقل من خمسة آلاف مليار دولار حجم الاقتصاد الياباني الذي يعد بدوره ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
تعتمد العديد من الاقتصادات العالمية بما فيها الصين لرفاهيتها الاقتصادية على التصدير للسوق الأمريكية. بل تعد الصين مسؤولة عن ربع العجز في الميزان التجاري الأمريكي. وعليه يعد تراجع النمو الاقتصادي الأمريكي خطرا على الأوضاع الاقتصادية العالمية. وقد كشفت أزمة الرهن العقاري أن العالم بأسره يصاب بالزكام في حال عطست الولايات المتحدة.
خطوات متأخرة
يفهم من الورقة أن الخبراء الاقتصاديين للأمم المتحدة لا يرون ضررا من تخفيض سعر الفائدة وتوفير السيولة فضلا عن تقديم ضمانات لأصول المصارف. لكن هناك تأكيدا أن الخطوات المنسقة جاءت متأخرة ومن منطلق علاج الأزمة المالية وليس الوقاية منها.
وكانت الولايات المتحدة قد أقرت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي خطة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار شملت شراء بعض الأصول المتعثرة من المصارف والمؤسسات المالية الأمريكية. لكن ظهرت بريطانيا كزعيمة للعالم في طرح الحلول رغم أن الأزمة اندلعت في الولايات المتحدة. وشملت الخطة البريطانية مواجهة المعضلة المالية من ثلاثة محاور هي: 1) شراء بعض الأصول أو القروض المتعثرة. 2) استحواذ ملكية مسيطرة لبعض المؤسسات المالية بواسطة شراء أسهمها بعد تراجع قيمتها وبالتالي التأثير في قراراتها. 3) إصدار خطابات لضمان القروض بين البنوك لغرض تعزيز وضع السيولة في الأسواق.
تراجع النمو الاقتصادي
عموما لا توجد أخبار إيجابية فيما يخص النمو الاقتصادي العالمي وذلك حسب تقرير مبكر للحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم لعام 2009 الذي تنشره الأمم المتحدة. وقد تم نشر أجزاء من التقرير أثناء مؤتمر الدوحة، حيث يشير إلى انخفاض مستوى النمو الاقتصادي العالمي إلى1 في المائة فقط في عام 2009 مقارنة بـ 2.5 في المائة في عام 2008. بالعودة إلى الوراء، تم تسجيل فائض نسبة نمو قدرها ما بين 3.5 و4 في المائة في الفترة ما بين 2004 و2007.
تعد هذه النظرة التشاؤمية مسألة مقلقة بالنسبة لدول مجلس التعاون نظرا لارتباط أسعار النفط بالنمو الاقتصادي العالمي. بل إن الانكماش الاقتصادي يعني فيما يعني تراجع الطلب على النفط وبالتالي تدني سعر البرميل. يسهم الدخل النفطي بنحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة في دول مجلس التعاون ما يعد حساسا بكل المقاييس. نأمل أن تكون الأمم المتحدة مخطئة فيما يخص توقعاتها بخصوص النمو الاقتصادي العالمي.