هل تستحق السعودية عضوية "مجموعة العشرين"؟

هل تستحق السعودية عضوية "مجموعة العشرين"؟

"الوحدة الحقيقية يجب أن تصمد أمام أقصى أنواع الضغط دون أن تنكسر".
الزعيم الهندي مهاتما غاندي

حسنا فعل وزير المالية المصري يوسف بطرس غالي، عندما تراجع عن تصريحه حول وجود السعودية ضمن "مجموعة العشرين"، التي حلت عمليا مكان "مجموعة الثماني". فالوضع الاقتصادي العالمي الراهن وروابطه العربية، لا يحتمل أي مناوشات واختلافات، بل يحتم على الأطراف العربية أن تضع أي "اختلاف" – كي لا نقول خلافات – بينها في "خزنة" محكمة متينة، يصعب فتحها وتستحيل سرقتها. فقد قال غالي: "إن المملكة صوتت للمنطقة في اجتماعات مجموعة العشرين"، وهو بذلك صحح ما قاله إنه يعتقد "أن التمثيل ينبغي أن يكون من خلال دولة تفهم القضايا المتعددة التي تواجهها مجموعة محددة من الدول". بل كان أكثر حدة حينما قال – قبل التصحيح– في حوار له مع محطة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية: "سيكون من الأفضل أن يناط التمثيل بدولة تشارككم المشكلات نفسها وتتقاسم التحديات التي تواجهونها". لا أريد أن أحلل ما كان يقصده الوزير المصري في هذا التصريح، لأنني أعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى تحليل، على اعتبار أن المعطيات كلها واضحة في هذا الصدد. ولنكون أكثر صراحة، فإن مثل هذه التصريحات لا تعطي إلا إشارات سلبية على الساحة الدولية، وتشتد سلبيتها مع اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية، في الوقت الذي نشهد فيه جلوس الأضداد في العالم بعضهم مع بعض، من أجل التوصل إلى مشاريع حلول لهذه الأزمة – الكارثة، التي نالت من تلميذ المدرسة في أكثر القرى ابتعادا عن المدنية، كما نالت من أكبر المؤسسات المالية وغير المالية في العالم. ولعل الأزمة هي أكثر الأزمات التصاقا بالأفراد – كما المؤسسات – منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
تصريح غالي – قبل وبعد التصحيح- طرح بقوة سؤالا حول أحقية السعودية بعضوية "مجموعة العشرين". وأثار تساؤلات حول حجم مؤهلاتها ضمن هذه المجموعة التي تستحوذ على قرابة 90 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، التي حلت – دون قرار رسمي – مكان "نادي النخبة" الذي يضم الدول الثماني الكبرى.
الواقع أن هناك كمية من الحقائق البديهية التي تدفع الدول الكبرى للطلب من المملكة الانضمام إلى المجموعة الجديدة، في مقدمتها، أن السعودية تمثل أكبر اقتصاد عربي، وتتمتع بأكبر إنتاج نفطي، وأكبر احتياطي منه، إلى جانب ذلك فهي تمارس سياسة رصينة حيال القضايا الإقليمية والدولية. فقد أثبتت الرياض أن الارتجال السياسي والاقتصادي، لا يقود إلا إلى الطرق المسدودة، وإلى الفشل في تحقيق الأهداف، وإلى الاضطرار إلى تقديم اعتذارات عن أخطاء، كان بالإمكان عدم ارتكابها أصلا. هذا السلوك السياسي أسهم إلى حد بعيد في اشتراك السعودية بصورة متوازنة في كل الجهود الخاصة في حل المشكلات الإقليمية، ولا سيما العربية منها. فدولة كبرى إقليما باقتصاد كبير إقليمي أيضا، يكفل لها هذا الدور، بل ينبغي عليها القيام به.
هذا على الصعيد الإقليمي, أما على الصعيد الدولي، فإن المملكة من أكبر ست بلدان كبرى (وأكبر مانح عربي) تسهم في صندوق النقد الدولي، الذي يعد "مصرف الفقراء" وملاذهم الأخير. كما أنها واحدة من أكبر الدول المانحة للمساعدات الدولية، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي. أي أنها تقدم أكثر مما تقدمه دولة كالولايات المتحدة ، لو قورنت مساعدات هذه الأخيرة بناتجها القومي. واستنادا إلى إحصائيات المنظمات التابعة للأمم المتحدة، فإن الأموال التي تتلقاها من المملكة، تمثل حجر الزاوية لها في عملياتها ولا سيما تلك التي تجري في الدول النامية. ولا تزال الصدمة بادية على مسؤولي الأمم المتحدة، من قيام السعودية الصيف الماضي دون أي مقدمات، بتقديم نصف مليار دولار لبرنامج الغذاء العالمي، من أجل مساعدة الفقراء على مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلا عن ارتفاع أسعار الوقود باختلاف أنواعه. فالصدمة لم تأت من هوية المانح، بل لأن المنظمة الدولية كانت تجمع 755 مليار دولار لهذا الغرض، فما هي إلا أيام، وكان في خزائنها 500 مليون دولار من أصل المبالغ المنشودة.
إذاَ.. القضية ليست مرتبطة بهوية من يكون عضوا في "مجموعة العشرين"، بل في موقع هذا العضو، ومساهماته الدولية. كما أنها لا ترتبط بحداثة أو قدم هذه الدولة أو تلك. ففي الاقتصاد تستند الأمور إلى السمعة والأرقام، ولهذا السبب اندفعت الدول الكبرى، وطلبت من المملكة أن تكون عضوا في المجموعة العالمية الجديدة. صحيح أن هذه الدول تسعى إلى مزيد من الأموال النفطية، لسد بعض الثغرات في الاقتصاد العالمي الراكد، لكن الصحيح أيضا، أن هذه الدول لم تحصل على ما كانت تسعى إليه حتى الآن، ولا سيما خلال جولة رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون الأخيرة في منطقة الخليج العربي. ولذلك فإن شروط عضوية "مجموعة العشرين"، انطبقت على المملكة، سواء قدمت مزيدا من الأموال، أم لم تقدم.
والواقع أن مهمة السعودية ضمن نطاق "النادي" الجديد، ليست سهلة. هي مسؤولية بكل معنى الكلمة. فهذه المجموعة هي بمثابة "النادي" الوحيد الذي لا يتم ضم أعضائه " بالوراثة"، بل بالمعطيات والحقائق على الأرض، وبمدى القوة التي يتمتعون بها. وعلى هذا الأساس، لا بد للمملكة أن تعمل في المستقبل، ليس على استمرارية عضويتها – فعضويتها مكفولة – لكن للحصول على مزيد من النفوذ ضمن هذه المجموعة. فقد آن الأوان للولايات المتحدة وأوروبا – تحديدا – أن تقدم للسعودية وبقية دول الخليج - المساهمة في المؤسسات الدولية-التزامات واضحة، لتدعيم الثقة بالبلدان الخليجية. يجب أن يكون النفوذ على قدر العطاء، وبمستوى المساهمة المالية والأخلاقية. ومن واجب الدول العربية أن تدعم مثل هذا التحرك، لأن الصوت العربي القوي في مجموعة لا تضم إلا صوتا عربيا واحدا، يفيد المملكة بلا شك، لكنه يفيد كل العرب أيضا.

[email protected]

الأكثر قراءة