مع بدء العد التنازلي لتطبيق رسوم على الأراضي البيضاء التي تتجاوز مساحاتها 5000 متر مربع في العاصمة السعودية الرياض يناير المقبل، اتجه ملاك الأراضي الكبرى إلى مطورين لتنفيذ إنشاءات فيها مقابل التنازل عن أجزاء من تلك الأراضي تصل إلى 15% أو اقتسام الأرباح.
الرسوم السنوية ستُطبق بنسبة 10% على الأراضي الواقعة في الشريحة ذات الأولوية القصوى، وبنسبة 7.5% على الشريحة العالية، و5% للمتوسطة، و2.5% للمنخفضة، إضافة إلى شريحة خارج نطاق الأولويات ولم يُفرض عليها رسوم وتحتسب من ضمن مجموع الأراضي البيضاء المملوكة للمكلف داخل نطاق المدينة.
وبينما يرى خبراء تحدثوا لـ "الاقتصادية" أن هذا التوجه نتج عن تقلص فرص البيع المباشر أمام الملّاك بسبب وفرة المعروض من الأراضي، فإنهم يشيرون إلى تجارب ناجحة أعطت قيمة مضافة، وأوجدت أفقا لنمو السوق العقارية وسوق الإنشاء في الأجل القريب.
يوضح عبدالله الموسى، الخبير في القطاع العقاري، أن هذا التوجه اكثر انتشارا في الأراضي الواقعة داخل النطاق العمراني، مشيرا إلى أن نموذج التطوير مقابل التنازل عن جزء من الأرض للشركة المطوّرة ساعد كثيرا من الملاك على تحويل الأراضي الخام إلى أراض مطورة دون تحمّل كامل التكلفة.
خيار واقعيّ في مرحلة انتقالية
يصف الموسى الوضع القائم في الوقت الحالي بأنه "مرحلة انتقالية" تشهد توجها نحو تعزيز التطوير بدلا من اكتناز الأراضي، مشيرا إلى أن الرسوم دفعت كثيرا من المالكين إلى إعادة التفكير في أفضل طرق لاستثمار الأراضي الكبرى.
هؤلاء المالكين لم يعد أمامهم الكثير من الخيارات، مع عرض الكثير من الأراضي غير المطوّرة في المزادات وتسويقها بطرق تقنية وتقليدية دون وجود مشترين مباشرين، ما يعني أن السوق تتجه للتفاعل إيجابا في ضخ آلاف الوحدات السكنية للمستفيدين خلال الفترة المقبلة.
يرى الموسى أن الشراكات التطويرية أصبحت "خيارا واقعيا وعمليا" للملّاك الذين يواجهون عبء التطوير أو تكلفة الرسوم.
وبينما يسهّل هذا النوع من الشراكات الامتثال إلى متطلبات الرسوم، ويحفّز التطوير بدلا من تجميد الأراضي، يشدد الموسى على أن نجاح الخطوة يعتمد على موقع الأرض، وجدوى التطوير، واحترافية المطور، ووضوح الاتفاق.
ويؤكد أن التجارب الناجحة أسهمت في رفع قيمة الأراضي بعد التطوير وتحويلها إلى أصل نشط بدلا من أصل خام.
لماذا الإحجام عن الشراء والبيع؟
حول أسباب الإحجام عن شراء وبيع الأراضي البيضاء قبل تطبيق الرسوم، يرى الموسى أن هناك حالة حذر كبير من جانب الملاك والمستثمرين على حد سواء، ترقبا لاتضاح آليات التطبيق والمعايير.
يضيف الخبير العقاري سببا آخر، يتمثل في وجود "فجوة توقعات" بين البائع والمشتري. فبينما يتمسك البائع بسعر ما قبل الرسوم، يترقب المشتري الأسعار بعد تطبيق هذه الرسوم. لذلك، فإن الأراضي الكبيرة تحديدا هي الأكثر تأثّرا، لأنها المعرّضة مباشرة للرسوم.
يُضاف إلى ذلك أنّ الجهات التمويليّة أصبحت أكثر انتقائية في تمويل الأراضي الخام، بينما يعيد كثير من المستثمرين تقييم جدوى الاحتفاظ بالأراضي مقابل تطويرها أو بيعها.
يرى الموسى أن بطء حركة السوق انعكاس لما يسميها "حالة إعادة تموضع" لا ركودا، مؤكدا أن الطلب الفعلي موجود على الأراضي المطوّرة والمخدومة، فيما تشهد الأراضي الصغيرة والمتوسطة حكة أعلى من الأراضي ذات المساحات الكبيرة.
خطوة نحو تعزيز المعروض العقاري
يتوقع موسى السعدون، الرئيس التنفيذي لشركة السعدون العقارية، أن "الحراك الملموس نحو تطوير الأراضي البيضاء" عبر النموذج التشاركي بين الملاك والمطورين سيعزز كمية المعروض العقاري، ومن ثم تحقيق مستهدفات التوازن في السوق.
أمّا محمد البادي، المتخصص في المزادات العقارية، فيؤكد بدوره أن السوق العقارية شهدت انضباطا كبيرا وتوازنا في الأسعار، بشكل كبير خاصة في الرياض، وأسهم تسعير الأراضي بتيسير بيعها بشفافية وأسعار واضحة.
وقال لـ "الاقتصادية": "توقف تماما بيع الأراضي الخام بشكل مباشر، واتجه ملاكها إلى 3 طرق لتسويقها من خلال المزادات العقارية أو الصناديق أو من خلال الشراكات مع المطورين".
وشارك السعدون الرأي في أن التطوير السريع للأراضي الخام في الرياض تحديدا سينعكس على رفع المعروض، وبالتالي انخفاض الأسعار، كما يحدث حاليا في المساكن التي شهدت انخفاضات سعرية واضحة بعد قرارات التوازن".
لكن على الرغم من أن هذا النموذج ساعد على تحريك عدد من الأراضي التي ظلت خارج نطاق الاستخدام، يرى صقر الزهراني، المستشار والخبير في القطاع العقاري، أن نجاحه ظل متفاوتا، لكونه يعتمد على كفاءة المطور وجودة المنتج النهائي والجدوى الفعلية للموقع.
هل الترقب سيّد الموقف؟
يقول الزهراني: "إن السوق العقارية تشهد اليوم مرحلة حسّاسة تتسم بارتفاع مستوى عدم اليقين لدى الشركات والجهات المالية، وهو ما انعكس على وتيرة التداول، خصوصا في الأراضي الكبيرة وبعض المواقع الحيوية التي كانت تتمتع بحركة نشطة سابقا".
ويرى أن مع اقتراب بدء تطبيق الرسوم برزت حالة واضحة من التريث، ترقبا لوضوح أثر الرسوم قبل اتخاذ قراراتهم، في وقت تتجه فيه السوق إلى إعادة تشكيلها تنظيميا.
يشير كذلك إلى أن مضي منصة "توازن" نحو لعب دور محوري في تحديد النطاقات السعرية للأراضي يضيف بعدا جديدا في حسابات المستثمرين ويزيد حذرهم في هذه المرحلة.
في ظل هذا المشهد، اتجه بعض الملاك إلى شركات التطوير العقاري عبر نماذج الشراكة التي تقوم على تقاسم العوائد.
من يستطيع إنجاح المعادلة؟
في ظل هذه المشهد، يبقى السؤال الأبرز، الذي ما زال بحاجة إلى إجابة هو: من يستطيع إنجاح المعادلة بين مالك الأرض والمطوّر؟
بحسب الزهراني، فإن هذا النوع من الشراكات يتطلب غالبا رهن الأرض لصالح المموّل، وهو ما يجعله خيارا أقل قبولا في المرحلة الحالية، سواء لدى الجهات التمويلية، التي أصبحت أكثر تحفظًا، أو لدى الملاك الذين يتجنبون وضع أصولهم تحت التزامات إضافية.
ويرى في الوقت ذاته أن السوق تفتقر اليوم إلى شركات عقارية ذات ملاءة مالية ذاتية عالية تمكّنها من تمويل المشاريع الكبرى من مواردها الخاصة.
حتى الشركات التي تملك قدرة مالية جيدة أصبحت أكثر ميلا إلى تجنّب تجميد السيولة في سوق تعيش مرحلة ترقب.
في الوقت ذاته، تتبع الجهات المالية سياسات انتقائية مشددة، مقارنة بما كان عليه الوضع في فترات سابقة اتسمت بمستوى أعلى من الاندفاع.
يقول الزهراني: "تعيش السوق العقارية السعودية مرحلة إعادة تموضع، تتقدّم فيها التنظيمات والحوكمة على حساب الاندفاع الاستثماري، ويزداد فيها وزن التحليل المالي وإدارة المخاطر ووضوح البيانات".
هذه مرحلة، بحسب وصفه، هي "مرحلة انتقالية، قد تمهّد لدورة جديدة أكثر استقرارا، وأكثر ارتباطًا ببيانات حقيقية ونطاقات سعرية عادلة، تُسهم في رفع كفاءة السوق وتحسين جودة قرارات الاستثمار".

