تتجه السعودية إلى أن تكون مركزا عالميا لتقنيات المستقبل، لا مجرد مستهلك لها، مرتكزة على البنية التحتية ونقل المعرفة وتمكين الابتكار المحلي، عبر شراكات مع أمريكا في الذكاء الاصطناعي، بحسب آراء خبراء ومختصين تحدثوا لـ "الاقتصادية".
يرى الخبراء أن السعودية لا تريد أن تكون مجرد مستهلك للتقنية، بل تركز بوضوح على البنية التحتية، ونقل المعرفة، وتمكين الابتكار المحلي، عبر شراكات مع شراكات الذكاء الاصطناعي الأمريكية.
من المتوقع أن حزمة الاستثمارات السعودية الحالية في البنية التحتية والبيانات ومصانع الذكاء الاصطناعي يمكن أن تضيف ما يصل إلى 135 مليار دولار إلى الاقتصاد السعودي خلال السنوات الـ10 المقبلة، إذا استُثمرت كمنصة لتطوير نماذج وتطبيقات وخدمات تجارية تُصدر إقليميا، وفق ما ذكره لـ"الاقتصادية" مختصون في الذكاء الاصطناعي.
الدكتورة ديما العذل، خبيرة الذكاء الاصطناعي في شركة "IBM"، توضح أن هذه الاتفاقيات تأتي امتدادا طبيعيا لتوسع تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.
وتشير العذل إلى أن المناقشات الجارية تركز على تطوير البنية التحتية الرقمية القابلة للتوسع، وتنمية القدرات البشرية عبر برامج تدريبية وشراكات بحثية، إضافة إلى تعزيز الأطر التنظيمية لضمان الاستخدام المسؤول للتقنيات.
شهدت مشاركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترمب في منتدى الاستثمار الأمريكي - السعودي إعلان توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم من الجانبين بقيمة تقارب 270 مليار دولار، تشمل توطين التقنيات.
شراكات تحقق عائدا ملموسا في المدى القريب
السعودية ممثلة في "سدايا" وقعت العام المنصرم أكثر من 29 اتفاقية مع كبرى شركات التقنية العالمية في أمريكا. كما أبرمت أكثر من 90 عقدا مع شركات أمريكية خلال هذا العام 2025 بهدف توطين التقنيات، وتدريب الكوادر الوطنية، وتبادل المعرفة والاستشارات في هذه المجالات التقنية.
أكدت العذل أن آثار هذه الشراكات ستكون ملموسة على المدى القريب والمتوسط، خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي في قطاعات الطاقة والصناعة والتعليم والصحة والخدمات المالية، مشيرة إلى أن الثقل السعودي يظهر في طموحها لتكون مركزا إقليميا وعالميا للذكاء الاصطناعي، وفي حرصها على شراكات إستراتيجية تتجاوز نقل التقنية إلى نقل المعرفة وتطوير المواهب.
خبير قطاع مراكز البيانات محمد المزروعي أكد لـ"الاقتصادية" أن الاتفاقيات السعودية–الأمريكية ستعزز قدرة السعودية على إنشاء مراكز بيانات متطورة تستوعب الشرائح عالية الأداء وحلول الذكاء الاصطناعي، بما ينسجم مع النمو المتسارع في الطلب على قدرات الحوسبة المتقدمة.
وأشار المزروعي إلى أن هذه الشراكات ستسهم في تسريع نمو قطاع مراكز البيانات لتحقيق المستهدف الوطني بالوصول إلى 1.3 جيجاوات من السعات التشغيلية بحلول 2030، وهو هدف إستراتيجي يدعم مسيرة التحول الرقمي في المملكة.
السعودية متقدمة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي
حققت السعودية المرتبة الأولى عالميا في تمكين المرأة بمجال الذكاء الاصطناعي، وفقا لمؤشر ستانفورد للذكاء الاصطناعي Stanford AI Index 2025 وجاءت في المرتبة الثالثة عالميًا في نسبة نمو وظائف الذكاء الاصطناعي لعام 2024، والرابعة في عدد نماذج الذكاء الاصطناعي.
صنف المؤشر السعودية ضمن 7 دول قامت بنشر نماذج ذكاء اصطناعي منها: الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وفرنسا، وكندا، وكوريا.
من جانبه، أكد عبد الله الفوزان، خبير التجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، أن عام 2025 يشكل محطة جديدة في العلاقات السعودية –الأمريكية، عنوانها البنية التحتية الضخمة للذكاء الاصطناعي.
وأوضح، أن إطلاق شركة HUMAIN المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة أسهم في تسريع وتيرة الاتفاقيات مع الشركات الأمريكية الكبرى مثل NVIDIA وAMD وQualcomm وAmazon Web Services، بهدف بناء مراكز بيانات ومصانع ذكاء اصطناعي بقدرات تُعد من الأكبر عالميا.
هذه الشراكات تمثل تحولا في موقع السعودية من مستورد للتقنيات إلى مالك للبنية الحاسوبية العملاقة التي تعتمد عليها نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث يتضمن التعاون مع AMD استثمارات تصل إلى 10 مليارات دولار لبناء بنية تحتية توفر 500 ميجاوات من قدرات الحوسبة، بالتوازي مع شراكة مع NVIDIA تعتمد على مئات الآلاف من شرائح Blackwell وتبدأ بشحنة أولى من 18 ألف شريحة.
توطين التقنيات الأمريكية في السعودية
وأشار الفوزان إلى أن الاتفاقيات تشمل أيضا توطين التقنيات الأمريكية عبر إنشاء مركز لتصميم الشرائح بالتعاون مع Qualcomm في الرياض، وتوظيف 500 مهندس، إضافة إلى دمج النموذج اللغوي العربي ALLaM في منصات الشركة لخدمة قطاعات الاتصالات والصناعة والسيارات. كما تعمل HUMAIN على إطلاق صندوق رأسمال جريء بقيمة 10 مليارات دولار لدعم شركات الذكاء الاصطناعي محليا وعالميا، بما يعزز منظومة الابتكار حول البنية التحتية الجديدة.
ويؤكد الفوزان أن هذه الشراكات قادرة على إضافة ما يصل إلى 135 مليار دولار إلى الاقتصاد السعودي خلال العقد المقبل، إذا ما استُثمرت لتطوير نماذج وتطبيقات وخدمات تجارية تُصدر إقليميا، مشيرا إلى أن التطبيقات المتوقعة تشمل تعزيز الخدمات الصحية، وتحسين نماذج المخاطر المالية، ورفع كفاءة الصناعة والطاقة، وتطوير حلول التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية.
كما ستسهم في خلق وظائف نوعية في مجالات تصميم الشرائح والبيانات والحوسبة السحابية، مع تنفيذ برامج تدريبية واسعة بالتعاون مع شركات مثل NVIDIA.
يرى الخبراء أن الثقل السعودي يتجلى في امتلاك السعودية لمزيج فريد من الطاقة المنخفضة الانبعاثات، والبيانات الضخمة، والتمويل طويل الأجل، ما يمنحها موقعا تفاوضيا قويا في الشراكات التقنية، إلى جانب استهدافها الوصول إلى 6.6 جيجاوات من مصانع الذكاء الاصطناعي بحلول 2034، وهو ما يضعها ضمن أكبر المراكز العالمية في هذا المجال.
بذلك، تتحول السعودية إلى منصة عالمية تبنى فوقها أجيال جديدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، في خطوة تُبرز رؤية واضحة لبناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة والتقنيات المتقدمة.
العام الماضي أطلقت السعودية أول أولمبياد دولي للذكاء الاصطناعي بمشاركة (25) دولة، والإعلان عن نموذج لغوي ضخم باللغة العربية "علام".
