الصوت والإشارة في القصيدة المعاصرة.. لغة عالمية أم ساتر للقُبح؟

الصوت والإشارة في القصيدة المعاصرة.. لغة عالمية أم ساتر للقُبح؟

بعد سرده قصصا على ما اعتبره انحطاطا في مستوى القصيدة المحكية، قال عبد الرحمن الصقر وهو ناقد متخصص في الشعر المحكي متهكما: "لن أستغرب أن يكون الشطر التالي من قصيدة معاصرة عبارة عن تجشؤ يفرغه الشاعر على مايكرفون مستمعيه، لينتظر التصفيق من أيديهم الساخنة دوما وحناجرهم التي لا تمل الهتاف"! هذا التجشؤ الذي قصده الصقر واعتبره صورة من الانتقالات التطورية للشعر، قد يكون أحيانا تأتأة، همهمة، وصفيرا مثلا، وهو ما يذهب إليه نقاد آخرين بطرق تفسيرية أخرى تجتمع كلها باعتبار ما يحصل شكلا من أشكال التطور للقصيدة المحكية، ينسجم مع التطور الاجتماعي وأشكال التعبير المختلفة عن النفس والمجتمع، التي تنتهجها الأجيال للتعبير عن واقعها. هل هي أصوات تستخدم كموسيقى تصويرية أم لملء فراغ في القصيدة؟ أم هي البدعة الشعرية التي تجبر الشاعر على استخدامها لينال الحظوة لدى جمهور المستمعين والرضا لذائقة المستهلكين المتعطشين لأي موضة استهلاكية؟ يقول ذات الناقد (عبد الرحمن صقر) عن الدوافع التي يراها في اتجاه القصيدة المحكية إلى ذلك الطريق الذي يحاربه هو مع عدد من المتذوقين للشعر المحكي الكلاسيكي، ملخصا الأسباب في الفراغ الذي يتكون في وزن القصيدة، وضعف الفكرة، إذ إن الشاعر لا يستطيع تجاوزهما إلا باستخدام تلك الأصوات التي وصفها بـ "الخدعة الذكية" للهروب من قصيدته وإلقاء مشقة البحث عن عيوبها إلى جمهور متعب من الضحك وجد مفارقة جذابة في منتصف القصيدة ألهته عن الانتباه إلى عثراتها. شاعر آخر يستخدم الإشارات الحركية كمكمل لمعنى أبياته، الأمر الذي يشير إلى أن تلك القصيدة لا يمكن متابعتها إلا عن طريق الفيديو، ولا يمكن الاستماع إليها في الإذاعة أو نشرها في الصحف إلا بوصف مرافق يوضح ملابسات القصيدة! وفي ذلك يستشهد الصقر بأحد المشاركين في برنامج شاعر المليون عندما قال: "أصغر سعودي هنا.. وأصغر كويتي هنيه"، مشيرا في المرتين إلى عينيه اليمنى واليسرى على التوالي، متسائلا عن المعنى الذي تؤدي إليه القصيدة لو قُرئت أو سُمعت! مشيرا إلى أن القصائد الملقاة في البرامج الجماهيرية لا تتطلب فقط أن يحاول الشاعر تشنيف آذان مشاهديه بأجمل الكلمات، بل يتعدى ذلك إلى ما هو أبعد عن طريق المشهد الكامل الذي تحضر فيه العين كشاهد رئيس لمخاطبة الجمهور بشكل مباشر. هذا جانب من رأي لمحمد عوض بن سرور الشاعر السعودي الذي برز في برنامج شاعر المليون كأحد الشعراء المبدعين، الذين استطاعوا المحافظة على مستوى عال من الإبداع، إلى جانب الاحتفاظ بأصول القصيدة المحكية المتوارثة جيلا عن جيل، فيما يرى خالد غدير الناقد الحداثي (كما سمى نفسه) أن عجلة التحديث أمر فرض نفسه في المجالات كافة، فالقصيدة التي كانت تقال في السابق في مجلس صغير تحكمها عادات ذلك المجلس، خرجت من دهاليزه إلى عالم أكبر، معتبرا الإشارات والأصوات لغة يتوحد فيها الشعر.
إنشرها

أضف تعليق