Author

تأهيل الكوادر الوطني كتحد

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
الاستثمار الأمثل للميزانية الصحية من أهم الصعوبات التي يواجهها صناع القرار الصحي. فاحتياجات القطاع الصحي متعددة وملحة ومتشعبة وحيوية. وفي السابق كانت الرواتب تستأثر بنصيب الأسد من الميزانية ويبقى للأدوية والتجهيزات الأساسية "فتات" الميزانية كما أن التخلص من الديون المتراكمة عبر السنين هم يشغل صانع القرار الصحي خلال تلك الحقبة الزمنية. كان الواقع الصحي يشبه رجلا ليس لديه إلا ماء وخبز قليل بالكاد يغطي مصروفات أبنائه وفي أحيان أخرى يضطر للاستدانة من الجار لتلبية النقص من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية. فقنوات الصرف محدودة لمحدودية الميزانية المخصصة. ومن باب نسبة الفضل لأهله فإن من أهم حسنات وزير الصحة السابق الدكتور أسامة شبكشي تخليص الوزارة من ديونها التي تراكمت عبر السنين. أما الآن، فمع الاهتمام المباشر الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز القطاع الصحي وانعكاس الطفرة النفطية ومن ثم زيادة المخصصات السنوية للصحة فالسؤل الذي يبقى ملحا وقائما يتعلق بالكيفية التي على ضوئها ستحدد قنوات الصرف على الخدمات الصحية خصوصا والسعودية تحتل المرتبة 22 عالميا من حيث الإنفاق على الخدمات الصحية، كما صرح بذلك الدكتور حمد المانع. الذي يجب التنبيه عليه أن زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة لا يعني تبوؤ مركز القيادة الصحية لأن المعيار الحقيقي في تقييم الخدمات الصحية يتعلق بالاستخدام الأمثل لتلك الموارد وتبني سياسات صحية حكيمة تحقق حصول المواطن على رعاية صحية كريمة وبجودة عالية. فمثلا الولايات المتحدة تعتبر من أكثر الدول إنفاقا على الخدمات الصحية ففي عام 2004 بلغ الصرف على الرعاية الصحية 1.9 تريليون دولار (وليس مليونا) أي أن معدل الصرف بلغ 6280 دولارا لكل شخص وهي نسبة عالية بكل المقاييس (16 في المائة من مجمل الدخل القومي) ومع ذلك توجد أكثر من 46 مليونا ليس لديهم تغطية تأمينية أو أكثر من 15 في المائة من الأمريكيين دون غطاء تأميني. إن التحدي الأكبر الذي يواجهنا خلال الفترة المقبلة يكمن في تحديد أولويات الإنفاق على الخدمات الصحية خصوصا أن هناك قضايا متعددة وشائكة ومترابطة تستحق أن يفرد لكل منها حديث خاص. فمن القضايا التي تسحق منا الاهتمام خلال الفترة المقبلة تحديد أوليات الاستثمار - وليس الصرف - في تأهيل الموارد البشرية المؤهلة. وعند مقارنه القطاع الصحي بقطاع التعليم نجد أن القطاع التعليمي الحكومي يعطي مميزات وظيفية أعلى كثيرا من القطاع التعليمي الخاص. كما أن القطاع التعليمي الحكومي يوفر أمانا وظيفيا وساعات عمل أقل من القطاع الخاص. وفي الجانب الآخر نجد عكس المعادلة في القطاع الصحي حيث إن القطاع الصحي الحكومي أقل جذبا ومميزات من القطاع الصحي الخاص. فمميزات القطاع الصحي الحكومي لا تقارن بما يطرحه القطاع الصحي الخاص من مميزات وظيفية وهو ما يفسر الهروب من العمل من القطاع الصحي الحكومي إلى القطاع الصحي الخاص بينما لا نجد المعادلة نفسها في قطاع التعليم. لذا فإن القطاع الصحي الحكومي يجب أن يكون لديه المحفزات المالية لكسب الكوادر البشرية المؤهلة والتي يراهن عليها كثيرا في تطوير مستوى الخدمات الصحية الحكومية. ففاقد الشيء لا يعطيه فمن يفتقد المهارات الطبية ولإدارية لا نتوقع منه الكثير من الإنجاز لتطوير مستوى الخدمة الصحية. المميزات المالية والمساحة المتاحة للتطوير من أهم عوامل هروب الكوادر البشرية المؤهلة من القطاع الصحي الحكومي إلى القطاع الخاص. ومن المؤسف جدا أن نسبة الأطباء السعوديين لم تتجاوز 20 في المائة ومع ذلك لم نستفد من هذه النسبة المحدودة من الأطباء بشكل فاعل بسبب ارتباط جزء كبير منها بقضايا إدارية وليست طبية (لعلي أتناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل في مقال لاحق). المشاهد أن قلة الجودة الصحية المقدمة من قبل مستشفيات وزارة الصحة يرجع جزئيا إلى قلة تأهيل الكوادر التمريضية والفنية والطبية والتي كان من المفترض أن نستثمر في استقطابها سواء أكانت وطنية أو غير وطنية حيث إن دور هذه الكوادر البشرية ليس مقصورا فقط على تقديم الخدمة الصحية التقليدية بل المشاركة الفاعلة في تدريب الكوادر الوطنية حديثة التخرج (نسبة السعودة في قطاع التمريض 38 في المائة) والتي تعمل في المستشفيات الحكومية. فليس من المنطقي إلقاء اللوم فقط على المعاهد أو الكليات الصحية لضعف مخرجاتها لأن جزءا كبيرا من التأهيل يكون بعد التخرج. من هنا تبرز أهمية وجود كادر تمريضي مؤهل لتسلم قيادة تدريب وتأهيل خريجي تلك الكليات أو المعاهد الصحية. لذا فإن وجود كادر تمريضي مؤهل قادر على نقل خبراته ومهارته للكادر التمريضي السعودي يعتبر استثمارا حيويا ومهما خصوصا ونحن في مرحلة بناء وتأهيل وهي مرحلة مهمة من عمر تاريخنا الطبي الحديث. فسعودة الوظائف ليست مجرد إحلال الكوادر الوطنية مكان غيرها ولكن بتأهيل كوادر وطنية قادرة على تدريب وتأهيل غيرها بحيث يكون لدينا مخزون من الكوادر البشرية المؤهلة للعمل وتدريب غيرها من الجيل اللاحق. فمن المؤسف جدا أن جزءا من الكوادر التمريضية تستقطب للعمل لدينا وعينها الأخرى على مستشفيات أوروبا أو أمريكا أو كندا. مستشفياتنا الحكومية يتم التعامل معها كمحطة تدريبية لبضع سنين من أجل كسب الخبرة الكافية للعمل في أوروبا أو أمريكا أو كندا أو غيرها. مستشفياتنا في عيون غيرنا مراكز للتدريب والحصول على مميزات مالية مجزية. فاقد الشيء لا يعطيه، فما عسى كادر تمريضي محدود المهارات والتدريب أن ينقل لكوادرنا الوطنية حديثة التخرج من مهارات أو خبرات؟ [email protected]
إنشرها