المقالات

موت التلفزيون ونهاية الصحافة

موت التلفزيون ونهاية الصحافة

اعتدنا دوما على التعميم، وإطلاق الشعارات والمواقف غير المتماسكة (وها أنا أعمم كذلك وأقع في الفخ). لكن الحقيقة أنك تجد بعضنا يفاخر بأنه غير عنصري ويأتي من حيث لا يدري، أو من حيث يدري، والعياذ بالله، ويمارس العنصرية على موظفيه ومعارفه - وقس على ذلك. بعضنا يقع في هذا الفخ؛ لأنه لا يعرف ما هي العنصرية، وآخرون وقعوا في الفخ مجاراة للرأي العام. المهم أننا أخيرا اعتدنا على هذه الأريحية وعدم الدقة في توصيف مواقفنا واستخداماتنا وأذواقنا، وبالذات فيما يخص متابعاتنا الإعلامية واستخدامنا أدوات التواصل الحديثة. أصبحت هناك موجة عارمة من الناس تقول إنها لا تتابع التلفزيون ولا تقرأ الصحف ولا تثق بقنوات الأخبار. الكثير والكثير من الناس يتحدث عن موت التلفزيون ونهاية الصحافة. هل هذا الكلام صحيح بالمطلق؟ لا أعتقد ذلك. وقعنا من حيث لا ندري في أزمة مصطلحات، وتشابكت علينا المفاهيم وأصبحنا نتحدث في نقاشات عميقة من غير بينة واضحة أو مفاهيم مشتركة، ونجد أننا في عز النقاش حول هذا الأمر ما زلنا لا نعرف ما التلفزيون وما الصحافة. هل التلفزيون هو تلك الأداة المستطيلة التي نضعها في منازلنا أم هو تلك الشركات التي تنتج المحتوى التلفزيوني؟ هل الصحافة تلك الأوراق المطبوعة التي نقرؤها، أم أنها المادة الصحفية التي تنشرها المؤسسات الصحفية؟ نقول إن الصحف على وشك أن تنتهي، أو يقول البعض إنها انتهت، لكنهم ما زالوا يتابعون الأخبار من موقع ''النيويورك تايمز'' على الإنترنت أو تطبيق ''الشرق الأوسط'' على الجوال. آخرون يقولون إن مقالات الرأي التي تطبع فجرا على أوراق الصحف لا فائدة لها، ومن ثم تجدهم يغردون بها على تويتر. البعض يقول إنه لا يشاهد التلفزيون أبدا، لكنك تجده يقضي ساعات في متابعة مقاطع من البرامج التي تبث على التلفزيون على ''يوتيوب'' وعلى الآيباد ويرسلون برودكاست على جهاز البلاكبيري يلخص أبرز ما جرى في الثامنة مع داوود. من ناحية أخرى، تجد البعض يتصل بالإنترنت من خلال جهاز الأبل تي في، ويشاهد برامج اليوتيوب على شاشة التلفزيون المستطيلة، ويتابعون لقطات نجومهم المفضلين من اليوتيوب على قنوات تلفزيونية ينتقدونها وقت بثها، ويغردون بأبرز ما جاء فيها. وتجد من يقول إنهم لا يثقون بقنوات الأخبار ولا يتابعونها هم أكثر من يتداولون الأخبار عبر الواتساب ويذيلون رسالتهم بقولهم ''ترى الخبر ما هو مزح ونشر على قناة العربية''. الحقيقة أن إطلاق التصريحات بالمطلق عن موت التلفزيون ونهاية الصحافة يفتقر إلى كثير من الصحة. فما يعرض على قنوات التلفزيون يتعدى تأثيره تلك الساعة التي يعرض فيها البرنامج على الشاشة المستطيلة إلى أجهزة الجوال ومجالس الناس، كما أن الخبر الذي تعرضه محطة إخبارية يتعدى تأثيره تلك الدقيقة التي يستغرقها مذيع الأخبار في قراءته إلى أدوات التواصل الحديثة. ما يحدث حالة طبيعية من التطور، جعلت من قناة التلفزيون نقطة انطلاق للمعلومة عبر أدوات مساندة حديثة، وما يعرض أساسا على أدوات التواصل يتعدى ذلك المحيط إلى المناطق التقليدية للصحافة. وبهـذا يصبح الشخص الذي يختصر الموضوع بالمطلق، مثل ذلك الصديق الذي يقول إنه من المستحيل أن يأكل الطماطم وأمامه طبق من البيتزا والكاتشب. فقد يتغير طبق الطعام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المقالات