Author

زلزال جدة.. والاحتياطات الواجبة

|
في الأسبوع الماضي أصاب الناس في مختلف مدن المملكة ذعراً وخوفاً كبيراً بسبب الزلزال العنيف الذي ضرب جمهورية إيران وامتد حتى باكستان والخليج، وشعر به السعوديون في بعض مدن المنطقة الشرقية. ولقد أحدث هذا الزلزال هلعاً غير عادي في نفوس الناس في المملكة، بل إن المسؤولين عن مراقبة الزلازل تحدثوا إلى الصحف السعودية بضرورة تحديث أجهزة مراقبة الزلازل في المملكة، لأن بعض الخبراء السعوديين يتوقعون أن يضرب زلزال وشيك سواحل البحر الأحمر (طبعاً العلم عند الله سبحانه وتعالى)، ولكن تقول التقديرات التي نشرت بتحفظ: إن الزلزال سوف يطول مدينة جدة التي تقع على ساحل البحر الأحمر. كان زلزال إيران نقطة البداية لنشر مجموعة من الدراسات المكثفة عن النطاق الزلزالي في قشرة البحر الأحمر، وأكدت معظم الدراسات أن قشرة البحر الأحمر أضحت خفيفة وعرضة للزلازل في أي وقت، بمعنى أن المدن المطلة على البحر الأحمر ومنها مدينة جدة أصبحت عرضة للزلازل بشكل غير مسبوق، وطلب العلماء من جميع الدول المطلة على البحر الأحمر، أن تغير تشريعات المباني فيها وأن تتوخى الحذر وتتخذ أقصى درجات الحيطة. وفى هذه الأيام يتوقع بعض العلماء وقوع انفجارات زلزالية قريباً في أحشاء البحر الأحمر، وقد يكون لمدينة جدة - إذا قدر الله - نصيب من هذه الانفجارات الزلزالية. وبحكم التجارب السابقة لا نتصور أن وقوع الزلازل في البحر الأحمر سيكون مفاجأة لسكان مدن البحر الأحمر، وأخص بالذات مدينة جدة، ففي عام 1967 وقع زلزال في مدينة جدة بقوة 6,7 ريختر، وفي عام 1993 وقع زلزال آخر في مدينة جدة على بعد 70 كيلو متراً من ناحية الجنوب بقوة 6,5 ريختر. والذين نسوا هذين الزلزالين نسوه لأنه من النوع الرأسي الذي لا يتجه أفقياً فوق سطح الأرض، ولكنه يومذاك أرعب المجتمع الجداوي وهز بيوتهم التي كانت كلها تقريباً من الحجر المنقبي المرجاني ''الكاشور''، وكانت هذه الحجارة وما زالت معروفة بتماسكها إلى حد ما، كما أن معظم البنايات كانت في حدود الأدوار الثلاثة إلى الأربعة، ولذلك لم تتداعَ البيوت ولم تسقط، وكانت الأضرار طفيفة للغاية. وإذا كانت جدة قد تحملت زلزالا بقوة 6,7 ريختر في الماضي، فإنها تحملت هذه الضربة لأن رقعة جدة العمرانية كانت لا تتجاوز كيلومترين اثنين في أربعة كيلومترا، أمّا حينما تتجاوز رقعتها العمرانية الـ 50 كيلومترا في 50 كيلومترا، وتمتد بعض عماراتها إلى أكثر من 20 دوراً، وكذلك تعج بمباني العشوائيات التي لم تراعِ اشتراطات البناء ضد الزلازل ولا حتى اشتراطات البناء المسلح، فإن جدة إذا صعقها الزلزال اليوم بقوة 6 ريختر - لا سمح الله - فإنها ستدفع الثمن غالياً، لا سيما بعد أن طرأ على جغرافية جدة تغيرات كثيرة، منها أن جزءاً كبيراً من شواطئ مدينة جدة تم ردمه في عهد أمين مدينة جدة الدكتور محمد سعيد فارسي بعرض يتراوح بين الكيلو متر والثلاثة كيلو مترات، كما أن منسوب المياه الجوفية بلغ في بعض الأحياء مستوى سطح الأرض، ومما زاد الطين بلة أن تعثر مشاريع الصرف الصحي لنحو نصف قرن مع استخدام البيارات التقليدية التي سمحت للصرف الصحي بالتسلل إلى قواعد المباني، وكذلك انسياب مياه الصرف الصحي فوق سطح الأرض. كل هذا ألحق أضراراً بالغة بالتربة التي تحولت من تربة صلبة إلى تربة ندية هشة، ومن تربة تتماسك فوقها المباني إلى تربة تتداعى فوقها المباني، لأنها أصبحت مشبعة بمياه الصرف الصحي المدمر. واليوم مدينة جدة ليست كالأمس، فقد ارتفعت العمائر الشاهقة لتناطح عنان السماء، وبالذات العمائر الحديثة المطلة على الكورنيش، وهذه العمائر وغيرها من العمائر التي تزيد على الأدوار العشرة في داخل المدينة عُرضة لأي مكروه زلزالي، ولذلك يجب أن نبادر إلى وضع التشريعات النظامية التي تتعامل مع الضربات الزلزالية، وبالذات بالنسبة لاشتراطات المباني، وما يجب أن تكون عليه هذه المباني من تأسيس ومواد قوية تمنع أو تخفف الكثير من الأضرار حتى تكون الخسائر - لا قدر الله - في أدنى مستوياتها. وإذا كنت أذكّر الآن بالزلازل التي ضربت مدينة جدة، فإنني أذكّر بها حتى لا تلطمنا المفاجأة، فنحن نحتاج إلى دروس في ثقافة الزلازل طالما أصبحت هذه المدينة كغيرها من المدن التي تطل على شاطئ البحر الأحمر، تقع في منطقة نشطة زلزالياً. إن ثقافة الزلازل التي أعنيها تبدأ من الدفاع المدني الذي يجب أن يباشر بوضع الخطط اللازمة لنشر ثقافة الزلازل على الناس، ما يجب أن يفعلوه حينما يقع المكروه، وما هي العواقب، ثم كيف يتصرف الناس إذا سمعوا صفارات الإنذار، كذلك يجب أن يتضمن برنامج التوعية قيام أمانة مدينة جدة بالتشدد في تطبيق اشتراطات البناء المقاوم للزلازل، أكثر من هذا فإن للإعلام دورا مهما في نشر ثقافة الزلازل، ويجب أن يعرف الجميع أن الزلزال هو امتحان من الله - سبحانه وتعالى -، ويجب أن يباشر الإعلام دوره ويبث في الناس ما يجب أن يفعلوه وما لا يجب أن يفعلوه حينما يقع الزلزال. والخلاصة، نحن كمسلمين نعترف أن الزلازل والبراكين وكل الكوارث الطبيعية هي امتحان وابتلاء من عند الله - سبحانه وتعالى -، وفى النهاية الله لطيف بعباده المخلصين الموحدين.
إنشرها