المضادات تفشل في العلاج.. وتجبر على البقاء في المستشفيات طويلا

المضادات تفشل في العلاج.. وتجبر على البقاء في المستشفيات طويلا

تظل مشكلة مقاومة الجسم للمضادات الحيوية تشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة في مختلف أنحاء العالم. ويقول المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها إن هذا يعود بصورة رئيسة إلى إساءة استخدام المضادات الحيوية.
وقد نشر المركز الأوروبي الرسالة في بيان صدر الأحد الماضي بالتزامن مع اليوم الأوروبي للوعي بالمضادات الحيوية في عامه الخامس.
تعد مقاومة المضادات الحيوية من المشكلات الصحية الرئيسة؛ لأنها تتسبب في زيادة تكاليف الرعاية الصحية، وتؤدي إلى بقاء الناس في المستشفيات فترات أطول، وينتج عنها إخفاق وفشل في العلاج، وتؤدي أحياناً إلى الموت.
وفي لقاء مع الصحافة في وقت مبكر من هذا العام قال البروفيسور بيتر هوكي، المختص في علم الجراثيم السريري ورئيس جماعة العمل المكلفة من الحكومة البريطانية بدراسة المقاومة للمضادات الحيوية: إن التقديرات تشير إلى أن نحو 25 ألف شخص يموتون سنوياً في بلدان الاتحاد الأوروبي نتيجة حالات الالتهاب البكتيري الناشئة عن مقاومة الجسم للمضادات الحيوية.
كذلك فإن المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض، الذي يختص بتحديد وتقييم التهديدات التي تؤثر في صحة الإنسان نتيجة الأمراض المعدية والالتهابات والإبلاغ عنها، أصدر بيانات جديدة من جميع البلدان الأعضاء في الاتحاد حول مقاومة واستهلاك المضادات الحيوية.

ارتفاع في المقاومة المشتركة لمجموعة
من المضادات الحيوية
أظهرت البيانات الجديدة التي نشرها المركز الأوروبي ارتفاعاً لا يستهان به على مدى السنوات الأربع الماضية في مقاومة مجموعة من المضادات الحيوية وعدم فاعليتها تجاه بعض أنواع البكتيريا، خصوصاًKlebsiella pneumoniae، التي تؤدي إلى الإصابة بالتهاب الجهاز التنفسي، وبكتيريا إي كولاي، الموجودة في الأمعاء والتي يمكن أن تؤثر في سلامة الطعام، في أكثر من ثلث بلدان الاتحاد الأوروبي والمنطقة الاقتصادية الأوروبية. (تضم المنطقة الاقتصادية الأوروبية جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أيسلندا وليختنشتاين والنرويج).
فقد وجد الأطباء في عدد من البلدان الأعضاء أن ما بين 25 في المائة وأكثر من 60 في المائة من التهابات الدم الناتجة عن جرثومة K pneumoniae تُظهِر علامات على مقاومة مشتركة لمجموعة من المضادات الحيوية.
يشار إلى أن جرثومة K pneumoniae تعيش في الأحوال العادية في الأمعاء دون أن تسبب الأذى للإنسان، لكنها أخذت تظهر بصورة متزايدة على أنها جرثومة قوية نشطة تسبب الالتهاب في الجهاز البولي والجهاز التنفسي وفي مجرى الدم، خصوصاً في المستشفيات، حيث تنتشر بسرعة بين المرضى عن طريق التلامس مع أيدي العاملين في المستشفى، كما أنها تعد سبباً متكرراً لاندلاع الإصابات في المستشفيات.
وكذلك توجد جرثمة إي كولاي بصورة طبيعية في الأمعاء، لكن يمكن أن تؤدي بعض سلالاتها إلى الالتهابات. وهي السبب الرئيس وراء التهابات الجهاز البولي التي تصيب الفرد عن طريق مجتمعات السكن والمستشفيات، وتعد كذلك من أكثر العوامل المُمْرضة التي تنتقل عن طريق الطعام في مختلف أنحاء العالم.
ويمكن لأي شخص أن يصاب بالاتهاب نتيجة هذه الجراثيم القوية النشطة، لكن أكثر الناس المعرضين للإصابة بها هم الأشخاص الذين يعانون ضعفا في جهازهم المناعي.
وحين يصاب الناس بهذه الالتهابات، يبقى هناك عدد قليل فقط من خيارات العلاج، إذ لا توجد إلا حفنة من المضادات الحيوية القادرة على التصدي لهذه الجراثيم القوية التي تعد خط الدفاع الأخير.
زيادة استهلاك المضادات الحيوية
تشير بيانات المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض إلى أن استهلاك فئة المضادات الحيوية المعروفة باسم carbapenems، وهي من المضادات الرئيسة التي تعد الملاذ الأخير للدفاع ضد الجراثيم، ارتفع بصورة لا يستهان بها في البلدان الأوروبية خلال الفترة من 2007 إلى 2010.
يشير التقرير إلى أن أكثر الأسباب ترجيحاً لذلك هو ارتفاع مستوى المقاومة ضد مجموعات الأدوية في الالتهابات الناتجة عن الجراثيم سالبة الغرام، من قبيل التهاب الرئة أو التهابات مجرى الدم، والتي غالباً ما تعالَج بتناول أدوية carbapenems.
ويقول مارك سبرِنجر، مدير المركز الأوروبي: إن هذا الاتجاه العام يثير قلق الأطباء لأن نسبة الجراثيم K pneumoniae المقاوِمة للمضادات الحيوية من فئة carbapenems مرتفعة أصلاً في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي.
بشرى سارة إلى حد ما: تراجع أو استقرار المكورات العنقودية البرتقالية المقاوِمة للميثيسيلين.
لكن في لقاء مع الصحافة بطلب من المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والمفوضية الأوروبية في بروكسل، قال سبرِنجر: ''بالمقابل، هناك بشرى سارة إلى حد ما. ذلك أنه في السنوات القليلة الماضية أظهرت المكورات العنقودية البرتقالية المقاوِمة للميثيسيلين تراجعاً أو استقراراً في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي''.
لكن سبرِنجر مع ذلك يحض الجميع على ''البقاء متيقظين''، لأن ''نسبة هذه المكورات العنقودية تظل أعلى بمعدل 25 في المائة في أكثر من ربع البلدان التي أبلغت عن النتائج، خصوصاً في جنوب أوروبا وفي أوروبا الشرقية''.

جهود حثيثة
يقول روبرت جان سميتس، المدير العام للأبحاث والابتكار في المفوضية الأوروبية: إن الارتفاع المثير للقلق في مقاومة الأجسام للمضادات الحيوية التي نراها في بيانات المركز الأوروبي تدعو إلى ''جهود حثيثة في الأبحاث''.
وأضاف: ''لذلك قمنا هذا العام باستثمار مبالغ أكثر من أي وقت مضى على الأبحاث الخاصة بمقاومة المضادات الحيوية، من أجل أن نحتفظ بقدرتنا على مكافحة الالتهابات المميتة''.
وقال سبرِنجر إن هناك مجهودات مبذولة بالفعل على أصعدة عدة في خطة العمل التي أطلقها الاتحاد الأوروبي السنة الماضية.
وتابع قائلاً: ''يجب علينا أن نستمر في العمل معاً على هذه الإجراءات الواردة في خطة العمل، فضلاً عن ذلك، من المهم تماماً أن نضم قوانا معاً في مختلف أنحاء العالم وأن نُظهِر التضامن العالمي ضد هذا الخطر''.
يشار إلى أن منظمة الصحة العالمية في أوروبا تساند الخطة المذكورة هذا العام. كذلك ستكون هناك مجموعة من الأنشطة خلال الأسبوع الحالي في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، بالتزامن مع اليوم الأوروبي للوعي بالمضادات الحيوية.
من جانب آخر أصدرت وكالة الوقاية الصحية في بريطانيا كتيباً يهدف إلى رفع مستوى الوعي بالاستخدام غير السليم للمضادات الحيوية وكيفية استخدامها بصورة مسؤولة.
ويحث هذا الكتيب المرضى الذين يزورون الطبيب للعلاج من أعراض الزكام والإنفلونزا ألا يطلبوا منه أن يعطيهم وصفة تشتمل على المضادات الحيوية، ويذَكِّرهم بأن حالات الزكام ومعظم حالات السعال والتهاب الجيوب الأنفية وآلام الأذن والتهاب الحلق غالباً ما تتحسن دون استخدام المضادات الحيوية.

الأكثر قراءة