بروتين مهم يؤثر في التطور العقلي والسلوكي للأطفال

بروتين مهم يؤثر في التطور العقلي والسلوكي للأطفال

في مقال منشور في مجلة Cell، قال باحثون من معهد سكريبس للأبحاث في فلوريدا إن هناك أحد البروتينات المهمة يلعب دوراً رئيسياً في كيفية تطور الدماغ والسلوك أثناء الطفولة.
ويتوقع الباحثون أن طفرات معينة في الجين الذي يقوم بنسخ البروتين SynGAP1 تسبب حالات من الإقعاد والإعاقة لدى نحو مليون شخص في مختلف أنحاء العالم.
وقال الباحثون إن من المعروف أن الطفرات في هذا الجين بالذات تسبب الإعاقة العقلية وتزيد من خطورة اكتساب حالة تعرف باسم ASD ’اضطراب طيف التوحد. (المقصود بطيف التوحد هو أن التوحد لا يأتي على نمط واحد وإنما يمكن أن تكون له أعراض مختلفة تماماً، تشكل جميعها ''طيفاً'' متصلاً يتغير على نحو متدرج).
وتعمل الطفرة الجينية على إحداث عرقلة شديدة في الكيفية التي تقوم بها الدوائر الدماغية النامية بتنظيم أنفسها أثناء السنوات الأولى من حياة الإنسان. وقال الباحثون إن دراستهم تفيد في تفسير كيف يمكن للطفرات الجينية أن تسبب في إحداث مشاكل سلوكية ومعرفية عميقة. يشار إلى أن الطفرات الجينية التي تسبب الإعاقة العقلية واضطرابات طيف التوحد تؤثر في العادة على المشابك العصبية. والمشبك، كما يدل اسمه، هو عبارة عن نقطة اتصال تتواصل فيها خليتان فيما بينهما ضمن نظام الإشارات الكهربائية الكيميائية في الدماغ، وهو نظام يتسم بتعقيد شديد، خصوصاً إذا علمنا أن عدد الخلايا الدماغية، على أقل تقدير، يصل إلى 86 مليار خلية، وأن بعض الخلايا العصبية تمتلك أكثر من 100 ألف مشبك من المشابك العصبية، ما يجعل الخلايا تشتمل على نحو 100 تريليون مشبك.
ويقول العلماء إن هناك قسماً لا يستهان به من الأطفال الذين يعانون اضطرابات سلوكية وعقلية حادة والذين يُعتقَد أنهم يحملون طفرات مفردة في الجينات الرئيسية في التطور العصبي للفرد. ولم يكن أحد يعلم بالضبط، قبل هذه الدراسة، العلاقة التي تربط بين الطفرات الجينية المُمْرضة من جهة، والوظائف المشبكية فيما يتعلق باضطرابات التطور العقلي، من جهة أخرى.
وقال البروفيسور جافين رومباو، رئيس فريق الباحثين: ''في هذه الدراسة قمنا بشيء لم يقم به أحد من قبل. باستخدام أنموذج حيواني، نظرنا إلى طفرة يُعرَف عنها أنها تسبب الإعاقة العقلية، وبيَّنَا للمرة الأولى وجود صلة سببية بين النضج غير الطبيعي للمشابك العصبية أثناء تطور الدماغ، وبين الاضطرابات المعرفية التي تستمر مدى الحياة والتي نراها لدى البالغين الذين يعانون اضطرابا في التطور العصبي''.
وتابع رومباو: ''هناك عدد قليل من الجينات التي لا يمكن تغييرها دون أن تتأثر القدرات المعرفية لدى الفرد. ويعتبر البروتين SynGAP1 واحداً من أهم الجينات في العملية المعرفية – حتى الآن وجدنا أنه في كل مرة نعثر فيها على طفرة تُحدِث الاضطراب في وظيفة SynGAP1، فإن دماغ ذلك الشخص لم يتمكن من النمو والتطور بصورة طبيعية. فهذا الجين يعمل على تنظيم نمو الوظيفة المشبكية بصورة لم أعهدها قط في أي جين آخر سبق أن رأيته في حياتي''.
وأثناء التجارب الحيوانية وجد العلماء أنه حين تكون إحدى النسخ من SynGAP1 غير موجودة، فإن مشابك عصبية معينة تنمو بصورة مبكرة قبل الأوان بعد الولادة. وهذا يجعل الخلايا ''تطلق الإشارات'' على نحو أكبر بكثير من المعتاد – وقالوا إن معنى هذا الكلام، باللغة العلمية، ''أنه يعزز من قابلية استثارة الخلايا بصورة عجيبة''. وقد وجدوا أن الخلايا العصبية كانت تطلق الإشارات على نحو أكثر من المعدل الطبيعي في المنطقة الدماغية المعروفة باسم ''قرن أمون'' أثناء نموها. ومن المعروف أن هذه المنطقة مهمة تماماً للذاكرة.
وفي مرحلة النمو المبكر لدى الأطفال، فإن من المهم تماماً أن يكون هناك توازن بين التثبيط وبين الاستثارة – وهذه هي المرحلة التي يتم فيها تشكُّل الروابط العصبية التي تؤدي إلى الوظائف السلوكية والمعرفية الطبيعية.
وقال رومباو: ''ربما تظن أن هذا التطور المتسارع للدوائر الدماغية من شأنه أن يجعل الإنسان أذكى من الوضع الطبيعي. لكن ازدياد معدلات الاستثارة يعمل في الواقع على إحداث الاضطراب في تطور الدماغ. ومن رأينا أن النضج المبكر لهذه المشابك الاستثارية يُحدِث الاضطراب في توقيت النقاط المرحلية المهمة في تطور الدماغ. ذلك أنه يُمطِر الفوضى على هذه العملية المعقدة، على نحو يحول دون النمو الطبيعي للقدرات المعرفية والسلوكية.

لا بد من إصلاح الطفرات في الوقت المناسب بالضبط

كذلك وجد المؤلفون أنه إذا جرى حث هذه الطفرات بعد اكتمال مرحلة التطور الحرجة، فلن يكون لذلك أثر يُذكَر في الوظيفة الطبيعية للمشابك العصبية. وإذا تم إصلاح هذه الطفرات المُمْرضة أثناء مرحلة البلوغ، فلن يكون هناك تحسن في القدرات السلوكية والمعرفية.
وقال رومباو: ''من النتائج الرئيسية التي توصلنا إليها هو أننا تمكنا من إزالة الطفرة واستعادة مستويات البروتين SynGAP في الفئران البالغة التي تعاني مشكلات واضحة في المجال المعرفي والسلوكي. لكن هذا التدخل لم يَعُد بالنفع على الحيوانات''.

حتى يكون التدخل العلاجي ناجحاً.. لا بد من أن يتم في مرحلة مبكرة

تشير النتائج التي توصل إليها الأطباء إلى أن التدخل المبكر أمر مهم تماماً في علاج اضطرابات النمو العصبي، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالمشكلات المعرفية.
ويحاول رومباو وفريقه من الأطباء اكتشاف الوقت الدقيق الذي ينبغي فيه إجراء الإصلاح على الطفرات من أجل تحقيق أقصى قدر من المنفعة للمريض.
ويعتقد المؤلفون أنه إذا أمكن التعرف على هذه اللحظات الحرجة من أجل العلاج، إلى جانب الاقتراب السريع لقدرتنا على تحديد ومعرفة هذه الجينات المُمْرضة في الوقت الذي يكون فيه الجنين لا يزال موجوداً في الرحم، فمن الممكن أن يتوافر للأطباء مسار نحو استئصال هذا النوع من الإعاقة العقلية، وإحداث تقليص حاد في نسبة خطورة الإصابة بالتوحد.

الأكثر قراءة