شكوك حول حماية الأطعمة العضوية لصحة الأطفال

شكوك حول حماية  الأطعمة العضوية لصحة الأطفال

إن شراء المنتجات الصحية الطبيعية (أي الخضراوات والفواكه التي لا تُستخدم معها الأسمدة الكيماوية ولا تتم معالجتها بالإضافات الكيماوية، ولا تُرَش عليها المبيدات الحشرية) لأطفالك من شأنه على الأرجح أن يقلل من تعرضهم للبكتيريا المقاوِمة للأدوية وكذلك المبيدات الحشرية، لكن حيث إن أسعار هذه الأطعمة مرتفعة في العادة فإن من غير الواضح ما إذا كانت المبالغ الإضافية التي ينفقها الأهل تعطي الطفل منافع كثيرة.
هذا الأسبوع نشرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال دليلاً إرشادياً للآباء من خلال مجلتها المعروفة باسم "طب الأطفال". وأكد المؤلفون أن أهم عامل يساهم في الصحة الجيدة أثناء الطفولة، وخلال جميع مراحل الحياة، هو أن يأكل الشخص أنواعاً كثيرة مختلفة من المواد الغذائية، سواء كانت محضرة بالطرق الطبيعية أو بالطرق التصنيعية التقليدية.
ونحن نعلم جميعاً أنه ينبغي علينا أن نأكل أنواعاً مختلفة كثيرة من الفاكهة والخضراوات والحبوب الكاملة ومشتقات الحليب قليلة الدسم، ومصادر متنوعة من الأطعمة الغنية بالبروتين. وينطبق الشيء نفسه على الأطفال. لكن ماذا عن المنتجات الطبيعية التي لا تحتوي على إضافات (والتي يطلق عليها البعض اسم "الأطعمة العضوية")؟ هل المبالغ الإضافية التي يدفعها الآباء في شراء هذه الأطعمة والخضراوات والفواكه لأطفالهم تعود عليهم بالنفع؟
يعطي المؤلفون القارئ فكرة عن خلفية سوق الأطعمة العضوية. فقد كانت قيمة هذه السوق في عام 1996 نحو 3.5 مليار دولار، لكنها ارتفعت إلى 28 مليار دولار في عام 2010 في الولايات المتحدة. ويستطيع المتسوقون اليوم شراء الخضراوات والفواكه واللحوم وغيرها من المنتجات "العضوية" في المحال المتخصصة وفي أسواق السوبر ماركت. ويدعي الزراع وأصحاب هذه المتاجر أموراً كثيرة لمنتجاتهم، لكن عدداً قليلاً منها يتخذ شكلاً معيارياً وخاضعاً للتنظيم.
يعتقد معظم الناس العاديين أن الأطعمة الطبيعية ذات قيمة غذائية أعلى من المواد التي تتم زراعتها بالطرق التصنيعية التقليدية (مثل إضافة الكيماويات واستخدام المبيدات الحشرية وما إلى ذلك). لكن لا توجد أدلة علمية تؤيد هذا الرأي. فقد أثبتت معظم الدراسات أنه لا توجد فروق تذكر من حيث الفيتامينات أو المواد المعدنية أو الكربوهيدرات الموجودة فيها.
وقد ذكر باحثون من كلية الطب في جامعة ستانفورد، في "حوليات الطب الباطني"، في عدد أيلول (سبتمبر) 2012، أنه يمكن القول بصورة إجمالية إن الخضراوات والفواكه الطبيعية، من ناحية القيمة الغذائية، ليست أفضل من الخضراوات والفواكه التي تزرع بالطرق التقليدية. وأضافوا أن هذه الأطعمة العضوية ليست أكثر أمناً من حيث احتواء التلوث البكتيري كذلك.
وفي سبيل تقديم أدلة إرشادية للآباء والمختصين بالرعاية الصحية الأولية وأطباء الأطفال، أجرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تحليلاً شاملاً وعميقاً للأدلة العلمية فيما يخص الخضراوات والفواكه الطبيعية، بما في ذلك منتجات الألبان واللحوم.

الأطعمة العضوية – نتيجة متباينة

قال المؤلفون إن الأطعمة العضوية والتقليدية تتمتع بالمستويات نفسها من: مضادات الأكسدة والبروتينات والدهنيات والمواد المعدنية والفيتامينات. كما أن هذه الأطعمة توجد فيها كميات قليلة (بمعدلات أدنى بكثير مما يوجد في الأطعمة التقليدية)، من:
المبيدات الحشرية – وهذا أمر يمكن أن يكون مهماً للأطفال، لأن كثيراً من المبيدات الحشرية تتراكم في جسم الإنسان. فإذا بدأ الإنسان بتكويم هذه المواد في جسمه في مرحلة مبكرة من حياته، فهناك خطر بأن تصل هذه المواد إلى مستويات مفرطة في جسمه في مرحلة متأخرة من حياته.
البكتيريا المقاومة للأدوية – حتى يُطلَق تعبير "الطعام العضوي" على مادة غذائية معينة، لا يسمح للمزارع بإطعام ماشيته بمضادات حيوية غير علاجية. بعبارة أخرى، يستطيع المُزارع استخدام المضادات الحيوية لعلاج حيواناته المريضة، لكن لا يجوز له استخدامها كإجراء وقائي. وقد ذكر علماء من كلية الصحة العامة في جامعة ميريلاند، في عدد آب (أغسطس) من مجلة آفاق الصحة البيئيةEnvironmental Health Perspectives، أن مَزارع الدجاج التي تتبع الأساليب العضوية تشتمل على كميات أقل بكثير من البكتيريا المقاومة للأدوية.
ويتفق معظم علماء البيئة على أن التأثير البيئي للزراعة العضوية هو أقل من التأثير البيئي للزراعة العادية. لكن هذه المعلومات الإرشادية لم تحاول أن تقترح المنافع التي يمكن أن تعود على صحة الأطفال من جراء ذلك.

لا يوجد دليل حتى الآن على أن الأطعمة العضوية تؤدي إلى تحسن الصحة

إذا أردنا أن نعرف ما إذا كانت الأطعمة العضوية تساعد في تحسين الصحة على المدى الطويل، يتعين علينا أن ننتظر ونترقب النتائج، لأنه لم يمضِ وقت كاف حتى الآن على نحو يجعلنا متيقنين من النتائج. ويقول الخبراء إنه لا يوجد في الوقت الحاضر دليل متين يبين أن الأطعمة العضوية هي أفضل على المدى الطويل من الخضراوات والفواكه التقليدية. لكن لم تقم أية جهة حتى الآن بإجراء وإنجاز أية دراسات كبيرة على المدى الطويل. من جانب آخر، لا توجد أية دراسات تقيم الدليل على وجود أي آثار ضارة أو مسببة للأمراض جراء تناول الأطعمة العضوية.
قالت الدكتورة جانيت سيلفرشتاين، وهي من فريق البحث الذي أعد التقرير المنشور في مجلة "طب الأطفال" وعضو في لجنة الأكاديمية الأمريكية لشؤون التغذية: "إن ما هو مهم تماماً بالنسبة للأطفال هو أن يتناولوا أطعمة صحية تكون غنية بالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة ومنتجات الألبان قليلة الدسم أو خالية الدسم، سواء كانت من الأطعمة العضوية أو غير ذلك. فقد أثبت هذا النوع من النظام الغذائي أنه مفيد للصحة. علينا أن نلاحظ أن كثيراً من العائلات الفقيرة لديها ميزانية محدودة للطعام، ولا نريد لهذه العائلات أن تختار استهلاك كميات قليلة من الأطعمة العضوية ذات الأثمان المرتفعة، ما يؤدي بالتالي إلى التقليل من إجمالي الأطعمة الصحية التي من قبيل الخضراوات والفواكه".
هذا وقد نشر تقرير الأكاديمية الأمريكية بعنوان "الأطعمة العضوية: منافع ومساوئ صحية وبيئية".
وتقول الأكاديمية إن الخطوط الإرشادية تعطي ملخصاً للأبحاث التي أجريت على الأطعمة العضوية، بما في ذلك الدليل المتين على وجود كميات أقل من المبيدات الحشرية وإصابات أقل لدى المواشي بالبكتيريا المقاومة للأدوية.
من جانب آخر قالت الدكتورة جويل فورمان، وهي كذلك مؤلفة مشاركة في البحث وعضو في مجلس الصحة البيئية في الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: "في المرحلة الحالية ليس لدينا أي دليل علمي على أن الفرق في مستويات المبيدات الحشرية في الأطعمة سيؤثر في صحة الشخص على مدى حياته، وإن كنا نعلم أن الأطفال – خصوصاً الصغار الذين لا تزال أدمغتهم في طور النمو – معرضون بصورة خاصة للتأثر بالمواد الكيماوية".
وقال الدكتورة فورمان إن بمقدور العائلات أن تكون انتقائية حين تكون تكلفة الأطعمة العضوية هي من العوامل المهمة. فهناك عدد من أنواع الفواكه والخضراوات التي تتم زراعتها والتقاطها في بيئة تشتمل على مستويات متدنية نسبياً من المبيدات الحشرية.
الحليب – حتى الآن لا نعرف إذا كانت هناك منافع من شراء الحليب العضوي. يقول المؤلفون إنه لا بد من بسترة الحليب من أجل تقليل خطر تعريض الأطفال للأمراض. وإن شرب الحليب غير المبستر يزيد من خطر إصابة الأطفال ببكتيريا إي كولاي، والبروسيلا والسالمونيلا.
وكما ذكرنا سابقاً، فإن شراء اللحوم من مزارع الأطعمة الطبيعية يؤدي إلى تعرض الأطفال لكميات أقل بكثير من البكتيريا المقاومة للأدوية، وهي بكتيريا يمكن أن تصيب وتؤذي البشر. وينبغي إجراء دراسات واسعة النطاق من أجل معرفة ما إذا كان التعرض للهرمونات نتيجة أكل اللحوم وشرب الحليب يمكن أن تكون له أية آثار ضارة على صحة الأطفال.
قالت الدكتورة فورمان: "يريد أطباء الأطفال من العائلات أن تكون لديها المعلومات التي تحتاج إليها من أجل اتخاذ قرارات سليمة فيما يتعلق بالأطعمة. ونحن نرجو أن تساعد المزيد من الدراسات في تحسين فهمنا لهذه المواضيع، بما في ذلك إجراء دراسات واسعة النطاق تقيس مدى التعرض البيئي والتطور العصبي".
ووفقاً لتقرير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فإن "الزراعة العضوية تستخدم أساليب زراعية في زراعة الخضراوات والفواكه وتربية المواشي تتجنب المواد الكيماوية، التركيبية والهرمونات والمضادات الحيوية والهندسة الوراثية واستخدام الأشعة في الوقاية والتعقيم".

الأكثر قراءة