إلباس الفظاعات ثوب الحق

إلباس الفظاعات  ثوب الحق

عندما يكون هناك هدف مشروع فإنه لن يحتاج إلى الكثير من التبريرات لتمريره على الآخرين أو لمحاولة إقناعهم به، لأن المشروعية تستند دائما إلى وجود الحق أولا. فالحق يولد الصلاحية في استخدام الوسيلة المشروعة وبالقدر الذي لا يتجاوز النتيجة الطبيعية في تحقيق النتيجة، ومن هنا فإنه لا بد أن يكون الهدف مشروعا والوسيلة مشروعة أيضا كما أنه في نهاية لا بد أن تكون النتيجة محققة لمصلحة ضرورية بحيث تتناسب تلك الوسيلة المستخدمة مع المصلحة الأساسية التي لا يجوز تفويتها أو تأجيل تحقيقها.
وحتى إن كان ذلك الهدف سياسيا فإنه يحتاج إلى غطاء من المشروعية الدولية لكسب الموافقة أو لتفادي النقد القانوني الذي قد يعري ذلك العمل من أي مظلة شرعية ويجعله عرضة لتحميل المسؤولية أمام المجتمع الدولي الذي أصبح يستشعر خطورة الاندفاع الفردي لبعض دور العالم لتحقيق أهداف ذاتية تحت ستار من تسخير المنظمات الدولية في التغاضي عن الحدود التي رسمها القانون الدولي.
ولعل أغرب ما في السياسة أن يتم الاستناد إلى ما هو خارج عن القانون الدولي والعرف المستقر بين الدول في تبرير شن الحروب واستخدام القوة العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية للدول، وذلك بأن يتم اللجوء إلى الدين كسبب مولد للحق، أو ما هو أبعد من ذلك مثل ادعاء الوحي الإلهي والاتصال بالمصدر الرباني في إعطاء الأمر باستخدام وسيلة بعينها لتكون أداة مشروعة تبرر ذلك القرار وتجعله مشروعا رغم إيمان الشعوب على اختلاف دياناتها بانقطاع الوحي السماوي وانتهاء عصر الرسالات، وتيقن العلم لدى الجميع بأن تلك العقيدة ليست سوى محاولة ذاتية لاستشعار الروحانية في جو من خداع النفس وتبرير الفعل.
إن دعوى تلقي الأمر الإلهي أصبحت من الدعاوى المألوفة وغير المستغربة في عالم اليوم المليء بالممارسات غير المشروعة، فمن يمارس القتل والإرهاب يدعي أن عمله مشروع بل هو تطبيق عملي للجهاد، ومن يدعي مشروعية قراره باستخدام القوة يجد لنفسه الحق في تقديم ذلك العمل أمام العالم تحت مظلة الأمر الإلهي. ويبقى الحكم على تلك الدعوى مرهونا بنتائج تلك الأعمال وما يترتب عليها من خير أو شر يصيب الإنسان بصفته إنسانا وبغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه، فهو إنسان ورث الحق في الحياة المطمئنة وهو حق يجب على من يسلبه أن يقدم التبرير المنطقي لأعماله سواء كان فردا أو كيانا له وجوده ووسائله وأهدافه، فالمشروعية لا تعرف بمن يدعيها بل بذلك القدر الكافي من وصفها بأنها مشروعة.
وبقدر ما يكون هناك خطأ وجريمة في حق من يخرج عن القانون فإن هذا الوصف ليس بعيدا عن أي فعل لا يحظى بالمشروعية حتى وإن كان صادرا من كيان قانوني دولي، فالمشروعية وصف مستقل عن سيطرة من يتم محاكمة فعله وتحديد مدى اتصافه بأنه حق ومشروع. وليس هناك أخطر على العالم اليوم من أولئك الذين يعتقدون أنهم يفعلون ما يمليه عليهم الرب رغم أنهم يعلمون فظاعة نتائج أعمالهم. فهل أولئك يبحثون عن تبرير يقنعون به أنفسهم أم يعتقدون أنهم أقدر على تمرير أفعالهم وأفكارهم وإلباسها ثوب الحق.
وهنا سؤال يطرح نفسه، هل الشيطان مخلوق غير مرئي أم هو وصف للأفعال غير المشروعة ومن يؤمن بها أو يبحث عن مبرر له خصوصا وأن الثقافة الدينية التي ورثتها جميع الديانات السماوية تجعل من الإنسان أخطر من شياطين الأرض عندما يخالف إرادة الله ثم ينسب أفعاله إلى الشرع أو الرب أو إرادة الله، وهل أصدق من الله قيلا، ''شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا'' صدق الله العظيم.

الأكثر قراءة