الهاجس

الهاجس

[email protected] ولدت فكرة زاوية "إبحار" كمحاولة لفهم "المحكي" من بعده "النفسي" . وعليه فسأحاول سبر أغوار "المحكي" في محيطات الشعر الشعبي ،الذي يعكس "نبض" الوجدان العام. وستتناول بعض "التراث القصصي" المتناقل عبر أجيال متعاقبة والذي أثّر ويؤثر – بشكل مباشر أو غير مباشر- في سلوكنا. ولسلوكنا شقان: الشق الداخلي، الذي يتضمن جُلّ حياتنا الوجدانية بصنوف انفعالاتها المختلفة. والشق الخارجي، المتجسد في سلوكيات عيانية منها المحمود ومنها الغريب المستهجن. وكذلك ستتناول (إبحار) بعض "الأمثال الشعبية" التي تعشعش في ذاكرتنا وتنعكس أيضا على إدراكاتنا لذواتنا وللآخر من حولنا. إن المتأمل مليا للإقبال المتنامي لتذوق الشعر الشعبي وللدور الذي يلعبه في ترجمة انفعالات الإنسان، ليلحظ مدى نجاح هذا اللون من الفن في التعبير الراقي عن أبرز أبعاد الشخصية الإنسانية والمختزلة في أبعاد ثلاثة هي: البعد العقلاني أو المعرفي و البعد الوجداني أو العاطفي، وأخيرا البعد السلوكي أو النزوعي. فلنأخذ على ذلك مثلا ولتكن البداية لبيت شعر لصاحب السمو الملكي الأمير الشاعر خالد الفيصل والذي يقول فيه: أسري مع الهاجس اللي ما بعد نامي وأنوّخ ركاب فكري عند داعيها فإذا ما أردنا سبر أغوار هذا البيت نفسيا، نجد أن مفردتي "أسري" و"أنوّخ" تُجسدان البعد السلوكي، أما مفردتي "هاجس" و"ركاب الفكر" فتعكسان بُعدا معرفيا عقلانيا، فالهواجس والأفكار تعبران عن هذا البعد. ثم نلحظ كيف يتجلى الجانب الوجداني واضحا حين وظّف الشاعر عبارة "عند داعيها" التي تعّبر بجمال عن استرجاع "الطيف" وجدانيا، ومع أن عملية الاسترجاع مسألة عقلية إلا أن دافعها هنا كان عاطفيا أو وجدانيا صرفا، ويتجلى إبداع الشاعر في كونه تمكّن من جعل الغريب يبدو مألوفا للمتلقي، كما أنه جعل البعيد قريبا بتسخير زمام اللغة ومفردات الكلمات التي جعلها تتراقص لتشكل معاني توحي بكلمات تبدو في الأفق واضحة لبعض من الناس وتصعب على البعض الآخر. كانت تلكم – أيها الأعزاء- مقدمة لكُنه هذا الإبحار، وسنبحر معكم –إن شاء الله- في تناول بعض النصوص من "المحكي"، وسيكون للشعر الشعبي النصيب الأكبر من هذا الإبحار. دعائي إلى الله سبحانه بالتوفيق لكم، كما أتمنى أن تلقى (إبحار) القبول لديكم، وأن تتمكن من تقديم ما يرقى لذائقتكم، التي إليها تتجه "بوصلة" هذا الإبحار. ويقتضي الواجب توجيه شكري وعرفاني للأستاذ الفاضل الأخ/ ياسر الكنعان على دعوته الكريمة لي للإبحار في صفحات (بالمحكي)، له و لكم –أيها الكرام- لائق تحياتي.
إنشرها

أضف تعليق