تركي الفيصل: على دول الخليج إجراء إصلاحات شاملة لتحصين داخلها

تركي الفيصل: على دول الخليج إجراء إصلاحات شاملة لتحصين داخلها

دعا الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، دول المنظومة الخليجية إلى تحسين مؤسساتها السياسية والثقافية لتستجيب لمتطلبات التحولات الاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا، مؤكدا أنها لم تعد خياراً لنا، وإنما هو فرض علينا. وقال "إن مفهوم المواطنة بمعانيها كافة هو أساس العلاقة التي تربط الدولة والمواطن". وطالب الفيصل، في ورقة عمل قدمها أمام المشاركين في منتدى الخليج والعالم أمس، إلى الالتفات للأوضاع الداخلية في دول الخليج، والتفكير في مستقبلها، وإجراء ما تتطلبه المرحلة من إصلاحاتٍ على جميع الأصعدة لتحصين داخلها، قائلا :"لن تكون هناك فاعلية خارجية دون داخل فاعل". كما دعا دول الخليج إلى مراجعة خططها التنموية ليكون مواطنوها محورها، ولترقى بهم ليكونوا على مستوى الطموح الذي يتطلع إليه في الوحدة المشتركة، فاعلين ومؤثرين في التطورات من حولنا. وشدد الفيصل على ضرورة مراجعة دول الخليج لخياراتها الاقتصادية، مشيرا إلى أنها هي التي سمحت بابتعاد اقتصادها عن كونها اقتصادات مبدعة ومبتكرة، وما جره ذلك من آثار ظهرت في تركيبتنا السكانية ومستقبلها، وسمحت بأن تكونَ سوقا لعمالة العالم وأبناء بلدانها عاطلون عن العمل. وقال الأمير تركي: "إن استشراف ما تفرضه هذه التحولات من تغيرات استراتيجية على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، وتقديم الرؤى الواقعية حولها، يساعد على ولوج باب المستقبل بمزيد من الثقة حوله، ويشجع على وضع الخطط والبرامج التي تتيح السباحةَ في أمواج هذه التغيرات؛ سواء أكانت أمواجاً هادئةً أم مضطربة"ً. واعتبر الأمير تركي أن قراءة هذه التغيراتِ أمرُ ضروري لنا في منطقتنا، واصفا هذه المنطقة بـ"المركز" بموقعها الاستراتيجي وثقلها التاريخي، وبمصادرها الطبيعية الضرورية لاستمرار نمط الحياة المعاصرة. وتابع قائلا: "لكن ينبغي لنا النظر إلى ما تشهده منطقتنا والعالم من تغيرات كونها تحديات للجميع، وكذلك مسؤولية التعاملِ معها وتوجيهها نحو الخير إن كانت خيراً، وتجنب شرها إن كانت شرا"ً. وأبان أن القراءة المستقبلية تفرض علينا أيضاً أَن نأخذَ في الحسبان أن المعطيات المتاحةَ لقراءتنا الحالية ربما لا تستمر أو تدوم بسبب عوامل موضوعية أو غير موضوعية قد تفرض تغيرات استراتيجيةً جديدة تختلف عن التغيرات المحسوسة حالياً. وتحدث الأمير تركي حول ما ينبغي أن نكون عليه مستقبلا في سياق التحولات الاستراتيجية عالمياً في ظل التوزيع المتوقَّعِ لمراكز القوة في العالم، وكذلك حول التحديات التي تواجه المنطقة والتي لا بد من التغلب عليها ليكون مكاننا في مقدمة الركب وليس فقط مستسلمين لأين سنقاد. واعترف الأمير تركي بتأخرنا في صوغ استراتيجية سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية مستقبلية تأخذ في الحسبان، وذلك بعد الأخذ بمعطبات حالية تظْهِر انكشافنا الاستراتيجي أمنيّاً وسكانيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً وتنمويّاً. وقال: "لقد علمنا التاريخ أن تغير الأحوال من سننِ الحياة، وأن من ينجو من تداعيات كثير من التغيرات السلبية هم من استشرفوا هذه التغيُّرات، وحصنوا أنفسهم منها، وتقدموا بما تمليه عليهم متطلبات التقدم إلى الأمام، داعيا المنظومة الخليجية بتقبل هذه الحقيقة، وأن نعرف ونبذلَ جهوداً مضاعفةً إن أردنا العبورَ إلى المستقبل بثقة واطمئنان". وأكد على أهمية منطقتنا الاستراتيجية موقعا وثروة للعالم، الأمر الذي لا يجعلها ضماناً كافياً لبقائها بمنأى عن التقلبات الاستراتيجية في العالم وعن التنافس بين قواه على النفوذ فيه، مشددا على أن لا نبقى مرتهنين بتقلبات السياسة الدولية، وضحيةً للمساومات الدبلوماسية؛ بل يجب أن نكون فاعلين أقوياء في جميع التفاعلات الدولية حول قضايا منطقتنا، وأن لا نسمحَ بفرض خيارات الآخرين علينا بحجة ضعف قدراتنا العسكرية. ودعا رئيس مجلس إدارة رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، إلى العمل على تحقيق وحدة المنطقة الخليجية وتوحيد قراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تعززُ من موقفها، وتحويل الوعي بمثل هذه الحقيقة إلى فعل وحركة دؤوب لا تتوقف حتى ندرك أهدافنا. وبعد أكثر من 30 عاماً من تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية - والحديث للأمير تركي الفيصل- مطالبون بإعادة التفكير في أهدافنا للتكامل والتنسيق بين دولنا للارتقاء بها وبدورها في العالم، ولا سيما أنَّ الظروفَ والتطوراتِ المحلية والإقليمية والدولية تفرض ذلك وما المانعُ من أن يتحولَ هذا المجلسُ إلى دول ذات سيادة، وينطلقَ بروحٍ جديدةٍ واضحة الهدفِ النهائيِّ. وتساءل الأمير تركي الفيصل خلال منتدى الخليج والعالم:" ما الذي يمنعُ من المباشرة في بناءِ جيش خليجي متحد وبقيادة واحدة؟" وتابع قائلا: "نحن ملتزمون بإقامة منطقة في الشرق الأوسط محظورة الأسلحة ذات الدمار الشامل ولكن، فشلت جهودنا وجهود العالم في إقناع إسرائيل بالتخلي عن أسلحتها ذات الدمار الشامل، وكذلك بالنسبة لتسلح إيران بنفس الأسلحة، وإذا ما فشلت هذه الجهودُ أيضاً في تبنِّي العالم لمشروع شرقِ أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل؟ فما الذي يمنع وعلى أقل تقدير، فلا بد لنا؛ بل من واجبنا تجاهَ أوطاننا وشعوبنا، أنْ ننظرَ في جميع الخيارات المتاحة ومن ضمنها حيازتنا لتلك الأسلحة لكيلا تحاسبنا أجيالُنا القادمةُ إذا ما قصَّرنا في اتخاذ أيٍّ من التدابير التي تدرأُ عنَّا المخاطر المحدقة بنا".وأضاف: "إن الانتقال إلى هذه المرحلة يتطلبُ أيضاً نظرة جديدة لطبيعة فكرة السيادة الوطنية التي إذا ما أُخذَت بمعناها التقليدي تصبح عائقاً أمام أي عملية تكامل أو وحدة بين الدول، إن شعوبنا وبسبب ما يجمعنا من وشائج، وحتى قبل نشوءِ دولنا الحديثة، كل واحد: أَمن أَي منا هو أمن لنا كلنا، واستقرار أَي منا هو استقرار للجميع، ومصيبة تصيب أَيّا منا هي بلاء على الجميع. وتطلع الفيصل عما نستطيع إنجازه خلال المستقبل القريب بالقول: "إننا نستطيع أن نؤسس لجزيرة عربية واحدة، إننا نستطيع أن نؤسس لمجلسِ شورى منتخب لدولة واحدة، إننا نستطيع أن نؤسس لقوة عسكرية واحدة، إننا نستطيع أن نؤسس لاقتصاد واحد ولعملة واحدة، إننا نستطيع أن نؤسس لوكالة للفضاء واحدة، إننا نستطيع أن نؤسس لصناعة إلكترونية واحدة، إننا نستطيع أن نؤسس لصناعة طائرات واحدة، إننا نستطيع أنْ نؤسس لصناعة سيارات واحدة، إننا نستطيع أنْ نؤسس لمناهج تعليمية واحدة، إننا نستطيع أنْ نؤسس لصناعات طاقة وبتروكيماويات واحدة، إننا نستطيع أنْ نؤسس لأمثولة للعدالة والتعامل الإنساني واحدة". وأضاف: "إن التحديات كبيرة ومتنوعة والمسؤوليات عظيمة؛ ولكنها ليست عصيةً على الحل، وإن أحسنا الخيارات والوسائل فسيكون مستقبلنا كما نريده". واختتم الفيصل حديثه بجملة وردت في إعلان الرياض الصادر عن قمة المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في دورته الـ 20 عام 1999: "إن التاريخَ لا يصنعه المتفرجون من بعيد، وإن الأحداثَ لا يصوغها المنعزلون المتهيبون".
إنشرها

أضف تعليق