الاستثمار والشريك الأجنبي في البنوك السعودية

الاستثمار والشريك الأجنبي في البنوك السعودية

التشجيع على الاستثمار الأجنبي حكاية عجيبة حقا فهي من ناحية تؤكد أهمية جذب الرساميل الأجنبية للداخل بغرض إثراء الداخل وإتاحة الفرصة للأجنبي أن ينال عوائد استثماره جراء شراكته في رفد الاقتصاد الوطني بنسبة معلومة من أمواله. لكن الذي يحدث هو أن الاستثمار الأجنبي أصبح في الوقت الراهن ممثلا باستثمارات شكلانية لرساميل زهيدة وفي مجالات لا تقدم ولا تؤخر، إلا في قليل من الاستثمارات التي كانت الدولة سباقة إلى حدوثها كالبتروكيماويات وصناعة النفط والتوازن الاستراتيجي. وفي هذه الأيام أضيفت معضلة أخرى، فقد أتيح للبنوك الأجنبية العاملة في السعودية كشريك مع رأس المال المحلي المنافسة في السوق المحلية مباشرة، الأمر الذي يعد في العرف القانوني لمنظمة التجارة العالمية مخالفة صريحة باعتباره منافسة غير عادلة فضلا عن أنه يمثل حماسا للمستثمر الأجنبي في غير مكانة. لماذا؟ لأن المفترض ألا يسمح للبنوك الأجنبية التي تملك شراكة في بنوكنا الوطنية نحو 40 في المائة المنافسة في سوقنا المحلية إلا بعد مرور خمس سنوات على الأقل بعد إجازة ذلك من قبل مؤسسة النقد لكي تعطي الأولوية لرأسمال الشريك السعودي في هذه البنوك أولا كتفضيل شرعي في أحقية الإفادة من الأموال الداخلة لخزانة البنك، وثانيا لكي تكرس علاقة جديدة وطيدة مع العملاء في ظل القادم الجديد وثالثا وهو المهم والأهم لكيلا يستثمر الشريك الأجنبي محافظ البنوك الوطنية التي يعمل من خلالها، ويقوم بتجيير الزبائن لصالح بنوكه الأساسية كما حصل مثلا في المساهمات الأخيرة، فقد لجأ بعض البنوك إلى فتح الاكتتابات في فروعهم في البحرين والإمارات وغص جسر البحرين بالسعوديين في اتجاه سلة الاكتتاب في البحرين. ولو سمح الشريك الأجنبي للجمهور بالاكتتاب في البنوك الأجنبية في السعودية لما حدثت تلك الهجرات الاكتتابية الهائلة، لكن الشريك الأجنبي لم يفعل ذلك، لأنه شاء الاستئثار بالأموال له وحده، حائلا دون استفادة الشريك السعودي في بنوكنا الوطنية. ما سيحدث بعد السماح للشريك الأجنبي هو مكافأة مجانية له على هذا السلوك بإعطائه الفرصة في اللحظة والتو ودون شروط أو احترازات، الأمر الذي يجعل الشريك الأجنبي الرابح الأكبر في هذا الإجراء، لأنه سوف يستثمر في محافظ بنوكنا لصالحه وبالتالي سيقوم بتجيير كل زبائن البنوك الوطنية لصالح بنوكه الأساسية ونكون بذلك ضربنا مثالا على استثمار معكوس اتجاهه للخارج لا للداخل، تماما مثلما ضربت الهيئة العامة للاستثمار ذات المثال بإتاحتها الفرص لمن هب ودب في الترخيص لهم بالاستثمار، حتى ولو في كشك صغير لبيع المكسرات أو البليلة أو بنشر الدراجات.
هذا المنظور الاستثماري، سواء من قبل الإدارات المصرفية في بنوكنا الوطنية أو الهيئة العامة للاستثمار هو ما سوف يدفع إلى إدارة اتجاه سياسة الاستثمار لتكون عوائدها الجمة للخارج أكثر من الداخلية مع كل ما يترتب على ذلك من فقدان الجمهور لمصداقية سوقنا المالية بكل مكوناتها صروحا وإدارات ومناهج عمل.

الأكثر قراءة