"الاقتصادية" تعيد قراءة مشهد أمسية ثقافية للأمير نايف طغى عليها الطابع الإنساني

"الاقتصادية" تعيد قراءة مشهد أمسية ثقافية للأمير نايف طغى عليها الطابع الإنساني

تبدو الأمسية الثقافية التي حضرها الأمير نايف بين عبد العزيز ذات ليلة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة أمسية متميزة حين خرجت عن الخطابية التقليدية لتعبر إلى سماء الإبداع لتأخذ المستمعين في ساعات طوال لم يشعروا بمضيها إلا بعد انتهاء الحفل.
عناوين كبيرة تزاحمت في تفكير من حاولوا توثيق المادة الصحافية بشكلها الثقافي الأخاذ، غير أن الأخبار الصحافية التي أعقبت هذه العاصفة الثقافية المؤثرة لم تكن تعبر بشكل كامل عما جرى بالفعل للعقول التي حضرت فامتلأت فهما لرسالة هذه الدولة.
لم تكن أهمية المحاضر في إنه رجل دولة من الطراز الأول فحسب، لكن الحالة الثقافية التي يمثلها والرسالة التي يحملها كانت في حاجة أكبر للفهم، لذا كانت آذان الحضور من مثقفين وأكاديميين تصغي باهتمام، فيما كان الحوار يأخذ أبعادا إنسانية أكثر ليبتعد عن الحديث النمطي ويسبح أكثر في أعماق المفاهيم الإنسانية للحياة لتتم مقارنتها بعين سعودية رأت الكثير. تحدث الأمير نايف بن عبد العزيز عن "مفهومنا للأمن"، وعن المنهج السلفي وعن المرأة ليدحض الافتراءات التي تقال حتى الساعة في هذه المحاور، ويعيد التذكير بأهمية تصحيح المعلومات والأخبار من الجهات المسؤولة لتؤيد الصحيح وتكشف الزور عن الأخطاء والأفكار المنحرفة.
كانت ليلة ثقافية متميزة تمثل فيها الأمير نايف بأبيات شعر لثقافات مخالفة أثبت من خلالها نظرتهم الدونية للمرأة في حين استشهد بشواهد محلية تثبت علو قدر المرأة عند الرجل السعودي الذي يفتديها بنفسه ويعرض نفسه للجوع دون أن تجوع هي أو تحتاج. هي أمسية ثقافية واجتماعية إلى جانب تطرقها لقضايا الأمن لكنها لم تأخذ حقها في النشر حينها كاملة، وفيما يلي ملخص ذلك اللقاء الذي جرى في أواخر تشرين ثاني (نوفمبر) من عام 2008.

"هناك من يرى الإسلام غاية يوظف من أجلها الوسائل، وهناك من يرى الإسلام وسيلة يوظفها من أجل غايات أخرى" تلك كلمات الأمير نايف بن عبد العزيز، الوزير المثقف في حواره مع المثقفين في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. الأمن الفكري هو عنوان اللقاء والضيف هو الوزير الخبير بالأمن، والمضيف هي جامعة الفكر الإسلامي "الجامعة الإسلامية" والحضور يملأ القاعات من رجال ونساء ومواطنين ومقيمين يتقدمهم صف من العلماء والدعاة يتطلبهم عمل كبير لتقديم النصح والمساعدة والحل لمشكلات العالم وفقا لرسالة الإسلام الخالدة بحسب الضيف الذي يفتتح باب الحوار لمناقشته.
"الأمن الفكري مقدم على الأمن العام" عبارة أطلقها الأمير نايف شجعت الكثير من الأكاديميين على إطلاق العنان لأفكارهم بين مقترح لمركز يعالج الإرهاب بغطاء من الستر كما تعالج مراكز ومشافي الأمل مرضى الإدمان من المخدرات، وبين مقترح لجائزة للبحوث المعالجة لهذا الخطر باسم الضيف، وكلها تصل إلى قناعة أن الرجل يهدف إلى العلاج لا إلى المسميات.
كان الأمير نايف بن عبد العزيز حاضرا بقوة كالعادة في إجاباته على المتسائلين في الجامعة الإسلامية من الرجال والنساء، وصنع توازنا بين تأكيداته غير مرة على ثوابت هذه البلاد الإسلامية الدين السنية المذهب السلفية المنهج، وبين توضيحاته أن ذلك لا يتعارض مع "كوننا أمة تهتم بالعلم وتعتز بعلمائها وتكبر بمتعلميها"، ويؤكد الوزير اعتزاز البلاد بالإسلام ويلفت في الوقت ذاته إلى أن مؤسس المملكة حارب من أجل فرض العلم الحديث.
يشرح الأمير نايف بن عبد العزيز لجموع الحاضرين في القاعة الكبرى لمحاضرات الجامعة الإسلامية ملامح الخطة السعودية البارعة في مكافحة الإرهاب، مؤكدا أن المملكة تعمل بفضل الله أولا.. ثم بفضل سياسة الحكمة والحزم والحلم لمواجهة عمليات إرهابية استهدفت بلادنا بالدرجة الأولى أكثر من غيرها، شارحا أن موجات الإرهاب هذه التي هددت البلاد لو حصلت في غير بلادنا لكانت مبررا لسياسات من نوع إعلان حالة طوارئ منع تجول وإعلان أحكام عرفية، وهو أمر لن يحصل لدينا ونحن نطبق شرع الله وسنة نبيه.
لم تكن جلسة الحوار الصريحة بين الأمير نايف وأعيان المدينة خاصة بمناقشة موضوعات الفكر التكفيري والإرهاب فقط، بل تطرقت لموضوعات إنسانية مختلفة أكد خلالها الأمير نايف أن الدولة صرفت عشرات الملايين على أسر المسجونين؛ ذلك لأنهم أبناء البلاد الذين ليس لهم سواها ولا ذنب لهم في ما ارتكب عائلهم من أخطاء؛ إذ ليس لدينا من يزر وزر غيره. ويتطرق الأمير نايف إلى موضوعات تهم المرأة مع انتقال مكبرات أصوات المشاركين في الحوار إلى القاعة النسائية، مؤكدا أن ليس هناك ما يمنع المرأة من أي من العلوم أو الأعمال سوى تلك التي يمكنها أن تنتقص فيه من كرامة المرأة، لافتا إلى أن "المرأة في بلادنا تحظى باحترام قل نظيره في العالم والدليل المادي على ذلك هو أن الرجل الشريف في أعرافنا هو الذي يقدم استعداده لأن يفتدي المرأة بدمه على أن تعيش هي كريمة وأن يموت جوعا على أن تتضور هي جوعا أو أن تنتقص كرامتها" مؤكدا في ختام ذلك أن مجتمعنا ليس في حاجة إلى أحد أن يعلمه ما يجب عليه القيام به و"لا عبرة بالشواذ". وبلفته إنسانية يتطرق الأمير نايف إلى قضية العوانس باعتبارها همًّا وطنيا جديدا، ويقول "بحسب ما سمعت أن العوانس لدينا يعدون بمئات الألوف والسبب في رأيي تكلفة الزواج الباهظة؛ ما دعا الكثيرين إلى الزواج بأجنبيات، والزواج من خارج المملكة يستوجب الإذن الرسمي، ولكنه في النهاية أمر شرعي لا تستطيع إلغاءه بقانون، ولكن فقط وضع ضوابط عليه، والمطلوب هو التبسيط في الأمور ومساعدة المرأة على اختيار زوج صالح".
ويفسر الأمير نايف لماذا يتم استهداف المملكة من ما يعد إعلاما مغرضا بالقول "نحن -بفضل الله - دولة إسلامية تعيش حالة من الخير بفضل الخالق الرازق ليس لأحد غيره فضل فيها؛ ولكوننا نعيش في وسط عالم مضطرب بالأحداث والقلاقل (الحديث عام 2008)"، ويلفت وزير الداخلية إلى أن "العديد لا يعرفون بعضا من تبرعات الشعب السعودي إلى إخوانهم في دول الجوار، ولا يعلمون أن مساعدات الشعب السعودي أسهمت في أكبر مركز لمكافحة السرطان في غزة وقدمت مساعدات وشيدت مساكن لإخواننا في لبنان دون تفريق مذهبي أو حزبي".
وفي ختام ندوة حافلة بالعناوين أكد الأمير نايف واجب المسؤولين في الدولة بتلبية الدعوة لحضور مناسبات مختلفة تجلو للمواطن ما خفي عليه، وقال: علينا كمسؤولين أن نحضر هكذا مناسبات ونفتح قلوبنا قبل آذاننا للاستماع إلى المواطن ونقدم له الإيضاحات المطلوبة، وأن نحضر ونشارك في المناسبات المختلفة".

الأكثر قراءة