قطاع الكهرباء بحاجة إلى أوامر ملكية «2 من 2»

تم الحديث سابقا عن ضرورة إصلاح سياسة الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء تحديدا وآثار أنواع الدعم كافة على أداء القطاع. فالدعم وإن كان سخيا لا يعني بالضرورة أنه الدعم الرشيد, فالدولة قامت بدعم أسعار الوقود من نفط وغاز لتخفيض تكلفة الإنتاج على الشركة السعودية للكهرباء والمنتجين المستقلين إلا أن الدولة قامت أيضا بدعم آخر, المتمثل في تخفيض السعر النهائي على مستهلكي الكهرباء حتى أصبح دخل الشركة السعودية للكهرباء أقل من مصروفاتها وأصبحت عاجزة ماليا حتى عن الاقتراض من البنوك المحلية. ومن بعدها تدخلت الدولة لتمنح الشركة قروضا ميسرة وحسنة إلا أن هذه القروض لم تكن كافية, حيث قامت الشركة بالاقتراض من بنوك أجنبية. ومن المعلوم أن تلك القروض التجارية ستثقل كاهل أداء الشركة ماليا عاجلا أم آجلا في ظل التعرفة الحالية. الجدير بالذكر أن تقريرا مشتركا لمنظمة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة التعاون الاقتصادي والبنك الدولي مجتمعة تم تقديمه لقمة مجموعة العشرين في تورونتو في حزيران (يونيو) 2010 أشار إلى أن أكثر من استفاد من الدعم الحكومي للطاقة في الدول النامية هم أصحاب الدخل الأعلى. فإن 40 في المائة من السكان الأقل دخلا من حيث توزيع الثروات لم يستفيدوا إلا من 15 ـــ 20 في المائة من مجموع دعم الطاقة في الدول النامية. ترى ما الحال في المملكة ومن هم أكثر المستفيدين من الدعم الحكومي للطاقة؟
إذن الحلول المستدامة لإنقاذ قطاع الكهرباء هي في يد الدولة ممثلة في مجلس الوزراء فقط, وهي ليست في يد الشركة السعودية للكهرباء ولا هي في يد وزارة المياه والكهرباء. فعندما واجهت الشركة السعودية للكهرباء أزمة مالية صعبة لم تمكنها من تمويل مشاريعها التوسعية لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء، قامت الدولة أخيرا بمنح هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج صلاحية تعديل تعرفة الخدمة للاستهلاك غير السكني بما لا يتجاوز 26 هللة للكيلوواط/ ساعة. إلا أنه قبل أكثر من 50 عاما (في عام 1959 بالتحديد) كان سعر وحدة الكيلوواط/ ساعة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والخبر والدمام 30 هللة للمائة وحدة الأولى ثم 25 هللة لما زاد على المائة وحدة لجميع مستهلكي الكهرباء ما عدا المساجد (15 هللة). أما في وقتنا الحاضر وبعد تدخل الدولة عدة مرات لتخفيض التعرفة أصبح مجرد الحديث عن لزوم رفع قيمة التعرفة بمثابة مغامرة لأي مسؤول وإلا واجه غضبا من عامة المستهلكين. لكن إنقاذ قطاع الكهرباء من حاله المتدهور في حاجة إلى وقفة عادلة وإقرار خطة شاملة لتصحيح أوضاع القطاع. وهذا يتطلب حزمة من قرارات صارمة من الدولة لإصلاح سياسة الدعم الحكومي للطاقة بحيث يتم توجيه وتركيز الدعم نحو أصحاب الدخل الأقل ورفعها عن أصحاب الدخل الأعلى. وهناك أيضا مشاريع صناعية كبيرة يتوقف تشغيلها على إيصال الكهرباء لتلك المنشآت. من المهم أن تتدخل الدولة سريعا لتوفير الكهرباء لتلك المشاريع في أسرع وقت ممكن وإلا تعطلت آلاف الوظائف. والمرجو أن تجيز الدولة لهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج رفع سقف تعرفة الاستهلاك الحكومي على الأقل بحيث يتجاوز 26 هللة وبشكل سنوي، وأن تجيز الدولة كذلك لكل مرافقها الاستثمار في رفع كفاءة استهلاك الطاقة وذلك باستبدال أجهزتها الكهربائية ذات الكفاءة المنخفضة (خاصة أجهزة التكييف والإنارة) لتخفيض الطلب على الكهرباء وقت الذروة في الصيف. ومن المطلوب أيضا عرض الأجهزة الكهربائية ذات الكفاءة العالية للمواطنين والمقيمين بأسعار تنافس الأجهزة ذات الكفاءة المنخفضة. ولأن الأجهزة ذات الكفاءة الجيدة هي في العادة أغلى من غيرها فإن الفرصة الآن سانحة للبنوك لعرض منتجات خضراء تقدم من خلالها أقساط ميسرة تجعل من تلك الأجهزة أكثر جذبا للمستهلك، وذلك من باب المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية. فالبنوك المحلية هي من أكثر منشآت القطاع الخاص تفهما لخطر عدم التحرك لضبط موجة تنامي الطلب المحلي على الطاقة وآثار ذلك في الاقتصاد الوطني إجمالا.
وختاما حتى نكون واقعيين حول ما إذا سيتم تحرير سوق الكهرباء للتنافس في القريب العاجل أم لا، فإن هناك تحركات إيجابية لإعادة هيكلة القطاع وفصل الأنشطة المختلفة كتأسيس الشركة الوطنية لنقل الكهرباء أخيرا وإقرار كود النقل والتوزيع. إلا أنه في المقابل هناك ملاحظات قد تسهم في تعطيل دخول القطاع الخاص للاستثمار, خاصة في أنشطة توزيع الكهرباء وخدمات المشتركين. وللإسهاب في هذا الأمر، الموضوع في حاجة إلى سلسلة مقالات لتقديم أسباب تباطؤ توجه خصخصة وتحرير سوق الكهرباء في بلادنا تحديدا وعرض تجارب دول أخرى في هذا المجال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي