لا مبررات أخلاقية لجمع الحلال والحرام في مؤسسة مالية واحدة

لا مبررات أخلاقية لجمع الحلال والحرام في مؤسسة مالية واحدة

شهدت صناعة التمويل الإسلامي نموا متصاعدا لتصبح صناعة عالمية تسير جنباً الى جنب مع أنواع التمويل التقليدية الأخرى. من هنا أكد الدكتور معبد الجارحي رئيس الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي أن التمويل الإسلامي لا يعتمد على فرض أي فوائد، بل يشارك في الإيرادات المترتبة عن استخدام الأموال بعكس التمويل التقليدي الذي يعتمد على الفائدة الربوية، وأوضح الجارحي في حديثه لـ (المصرفية الإسلامية)أن العبء والمسؤولية أصبحت كبيرة على عضو الهيئة الشرعية للفتوى، الأمر الذي يتطلب توافر خبرات ومؤهلات وأخلاقيات معينة في أعضاء الهيئات الشرعية بالإضافة الى خبرتهم في مجال الصيرفة والتمويل، فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه عبد الفتاح عبد الرحيم: ما المبررات الأخلاقية للتمويل الإسلامي، وهل من إجراءت عملية في هذا الشأن؟ - في الحقيقة يعتمد تحليل الجانب الأخلاقي للتمويل الإسلامي على تبيان الظلم والضرر اللذين يحيقان بالمجتمع من جراء تطبيق نظام التمويل التقليدي. وأول مصادر الظلم في نظام الإقراض بالفائدة هو أن المقرض يصادر لمصلحته ثروة هي من حق المجتمع ككل. والثاني أن الفقراء يتعرضون للمعاناة في نظام مبني على الفائدة غير الشرعية. والثالث أن نظام التمويل التقليدي يؤدي إلى أضرار محققة تحيق بالنظم الاقتصادية في أنحاء العالم كافة. ما التبرير الأخلاقي للخلط بين التمويل الإسلامي والتقليدي في مؤسسة واحدة من حيث الأحكام والضمانات؟ وكيف يتم الفصل بين مصادر الأموال؟ وأين يتم صرفها؟ ـــ هذا الخلط يرى البعض أنه يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالمنتجات الإسلامية التي تقدم من خلال قنوات ربوية للعديد من الأسباب، الأول: أنه لا يوجد مبرر أخلاقي للجمع بين الحلال والحرام في مؤسسة واحدة؛ فإما أن تلتزم المؤسسة بأخلاقيات التمويل الإسلامي تماما، وإما أن تبقى في ساحة التمويل التقليدي باختيارها، وللأسباب التي يقبلها ملاكها. والسبب الآخر، أنه يستحيل الفصل في التطبيق في مصادر الأموال واستخداماتها بين الجانبين الإسلامي والربوي. فسوف تعرض للقائمين على الموارد فرص للتوظيف الربوي، تغري بأن تستخدم فيها أموال من مصادر صممت للتوافق مع الشريعة، ولما كان القائمون على توظيف الأموال لا يستشعرون أهمية الفارق بين أسلوبي التوظيف، فإنهم سيميلون إلى توجيه الأموال إلى الاستخدامات التي اعتادوا عليها، وهي الاستخدامات الربوية. كما أن التدقيق المحاسبي لا يكفي لدرء هذا الخطر، إضافة إلى أن التدقيق الشرعي غالبا ما يكون وجوده رمزيا في المؤسسات الربوية ذات المنتجات المالية الإسلامية. ما أخلاقيات العلماء الشرعيين في حالة توليهم أمر التمويل الإسلامي؟ ـــ يتصدر عضو الهيئة الشرعية للفتوى، بمعنى بيان الحلال والحرام. وهذا يضع على عاتقه تلقائيا مسؤولية جسيمة. ومن البداية لا يجوز أن يتصدى للفتوى غير المؤهلين وذوي الخبرة بموضوع الفتوى. وهذا يثير عدة قضايا، أولها تكوين الهيئات الشرعية والمؤهلات المثلى لأعضائها. وإذا كانت الهيئة من المستحسن أن تتكون من عدد فردي من الأعضاء، فيهم اقتصادي واحد، والباقون علماء في الشريعة، فعلينا إذن أن نتساءل: من هو العالم الشرعي؟ ومن هو الاقتصادي؟ والإجابة أن كلا منهما يعرف بمؤهلاته. فالعالم الشرعي يجب أن يكون لديه شهادة الدكتوراة في الشريعة من جامعة معترف بها، تدعمها خبرات متراكمة في تدريس الشريعة والبحوث المنشورة في دوريات علمية محكمة. وأحب أن أضيف أن العالم الشرعي الذي يتصدر للفتوى يجب ألا يكون من أصحاب الآراء الشاذة أو من المصرين عليها. كما يجب ألا يكون ممن يكثرون الخطأ في الفتوى، وينكرون الاجتهاد الجماعي الذي تقوم به مجامع الفقه المعروفة. وبالطريقة نفسها، يمكن أن نتعرف على الاقتصادي، فهو بصفته عالما في الاقتصاد، لا بد أن يحمل شهادة الدكتوراة في اقتصاديات النقد والمال من جامعة معترف بها، تدعمها خبرات متراكمة في التدريس والبحوث المنشورة في دوريات علمية مُحَكّمة، إضافة إلى خبرة في الصيرفة والتمويل. وفي هذا الصدد كيف يتم الحكم على مؤهلات أعضاء الهيئات الشرعية، هل يمكن للمرء أن يكون هو الحَكَم على مؤهلاته بنفسه؟ ـــ بالطبع، لا. فلا بد أن يقوم بذلك جهة محايدة ومؤهلة للقيام بذلك. هل يمكن أن تكون السوق هي الحَكَم؟ من الملاحظ أن حكم السوق هو القاعدة المتبعة حاليا، والتي تعطي السلطة للمساهمين لتقييم مؤهلات أعضاء الهيئات الشرعية. كم عدد هيئات الرقابة الشرعية التي يمكن للعضو أن يجلس فيها؟ ـــ يفترض أن تجتمع هيئة الرقابة الشرعية مرة كل شهر. ويفترض أن يستغرق التحضير الجاد لكل اجتماع من ثلاثة إلى سبعة أيام من الإعداد والمراجعة. هذا يعني أن الحد الأعلى من الاجتماعات التي يمكن للمرء أن يحضرها كليا يراوح بين أربعة وخمسة اجتماعات في الشهر. فإذا رغب العالم الشرعي في أن يقضي كل أوقات عمله في أعمال الرقابة الشرعية، دون أخذ إجازة أو راحة، وأن يتجاهل مسؤولياته العائلية والاجتماعية، فإنه على الحد الأعلى يمكن أن يجلس في خمس هيئات رقابة شرعية. وإذا كان عضو الهيئة عالما كفؤا بطريقة فائقة بسبب خبراته الواسعة، ووجود طاقم من المساعدين له، فيمكن ضرب هذا العدد في اثنين أو ثلاثة؛ أو بتعبير آخر، إن الحد الأعلى من هيئات الرقابة الشرعية التي يمكن للإنسان أن يجلس فيها كعضو ، إذا توافر لديه فريق متفرغ من المساعدين، يراوح بين 10 و15 هيئة رقابة شرعية. من الذي يدفع أجور هيئات الرقابة الشرعية؟ ـــ هذه النقطة أُثيرت أكثر من مرة بناءً على ما يبدو من أن المديرين هم الذين يدفعون أجور هيئات الرقابة الشرعية، لكن المساهمين في الواقع هم الذين يحددون رواتب وأجور أعضاء هيئات الرقابة الشرعية.
إنشرها

أضف تعليق