المالية الإسلامية بحاجة ماسة إلى استراتيجية الابتكار والتوعية الشاملة

المالية الإسلامية بحاجة ماسة إلى استراتيجية الابتكار والتوعية الشاملة

المالية الإسلامية بحاجة ماسة إلى استراتيجية الابتكار والتوعية الشاملة

المالية الإسلامية بحاجة ماسة إلى استراتيجية الابتكار والتوعية الشاملة

يعد المؤتمر العالمي لعلماء الشريعة حول التمويل الإسلامي ISSF حدثا سنويا تنظمه الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية "إسرا" ISRA في ماليزيا، حيث يجتمع فيه أبرز علماء الشريعة والتمويل الإسلامي من جميع أنحاء العالم. شاركت الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في المؤتمر العالمي الخامس لعلماء الشريعة حول التمويل الإسلامي، الذي عُقد أخيرا في العاصمة الماليزية كوالالمبور. هدف المؤتمر إلى بحث الفرص المستقبلية لصناعة التمويل الإسلامي والعمل على تأكيد أهمية استكشاف واستشراف مستقبل الصناعة المالية الإسلامية. تحدث الدكتور عبد الرحمن بن صالح الأطرم الأمين العام للهيئة في افتتاح المؤتمر، مؤكداً أهمية مثل هذه المؤتمرات في تسهيل التقاء علماء الشريعة والمتخصصين من أجل تعزيز وإثراء قضايا التمويل الإسلامي، وإيجاد الفرص الجيدة لتبادل الخبرات، وتقريب وجهات النظر. وقد أقيم هذا المؤتمر في نسخته الخامسة بالاشتراك بين الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية ISRA، والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب IRTI وقد عقد في كوالالمبور. ويسعى المؤتمر ـــ وفقاً لموقع "إسرا"ـــ إلى وضع لبنة إضافية في بناء صرح المالية الإسلامية الشامخ، وهو مواصلة للجهود المشتركة التي تحرص على نقل هم البحث في إشكالات المالية الإسلامية من إطاره الفردي الضيق إلى إطار المؤسسات البحثية والمؤتمرات الدولية الفسيحة، حيث يهدف المؤتمر دوماً إلى تسهيل التقاء علماء الشريعة والمتخصصين من أجل تعزيز وإثراء التمويل الإسلامي، كما أنه فرصة جيدة لتبادل الخبرات وتقريب الهوة بين الاجتهادات الشرعية وإرساء روابط بحثية متينة. كما هدف المؤتمر إلى إبراز سمو الشريعة الإسلامية وتحقيقها لمصالح العباد، ولا سيما المالية منها. وقد شارك في المؤتمر عدد من العلماء والمختصين. المصارف الإسلامية استطاعت تجاوز كثير من الأزمات لاعتمادها على أسس أخلاقية أبعدتها عن كثير من المخاطر، وحان الوقت لمؤسسات التمويل الإسلامي لأن تفكر في المستقبل وأن تثق بمنجزاتها وأن تطمح إلى تحقيق النقلات النوعية في الأداء وتلبية احتياجات المنشآت والأفراد أكثر مما سبق، حيث إن المجتمع المالي العالمي لا يزال بحاجة إلى إصلاحات كبيرة، ويجري تصميم هذه الإصلاحات لمنع الظروف التي أدت إلى الأزمة المالية الدولية الأخيرة، لتوجيه الأمم من خلال انتعاش التمويل الإسلامي. ويتوقف مستقبل المصارف الإسلامية على مدى التطوير العلمي لهذه المؤسسات، واستغلال أحدث الطرق والأبحاث العلمية في توسيع دائرة التمويل، وابتكار صيغ جديدة للمفهوم المصرفي، وتطوير الصيغ الموجودة حالياً لتتلاءم وتواكب التطورات المصرفية واتجاهات العولمة المالية، سعياً لإرضاء المتعاملين (بالداخل والخارج) كأحد متطلبات العولمة من ناحية، واستجابة للتطورات التي حدثت في الفكر الإداري من برامج الجودة الشاملة إلى الهندرة أو الإدارة بالتجوال؛ الأمر الذي يتطلب من إدارات المصارف والهيئات المالية الأخرى بذل مزيد من الجهد وإعمال الفكر وتحديث طرق وأساليب تقديم الخدمات وتنويعها، استعداداً لتلقي مزيد من رؤوس أموال الأعمال التي تزداد عائداتها مع الوقت، وتعظيم الربحية عن طريق التحكم في النفقات التشغيلية وتخفيضها من خلال الاستخدام الفاعل والأمثل للتقنيات الحديثة. ولا تعد التقنيات الحديثة هدفاً في حد ذاتها، وإنما أحد العوامل لزيادة الكفاءة، حيث يشهد العالم حالياً توجهاً واضحاً نحو تحرير التجارة والخدمات المالية حسب متطلبات منظمة التجارة العالمية. ومن المؤكد أن هذا يؤدي إلى رفع حدة المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية وازدياد حلقاتها وظهور ضغوط على الحصص السوقية والربحية للمصارف المحلية وشركات التأمين، في المقابل توجد فوائد كبيرة لازدياد العولمة وتحرير الخدمات المصرفية والتأمينية في الأسواق العالمية، لأنها تعطي المؤسسات المحلية فرصة للدخول في أسواق باقي الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. #2# وحتى تتمكن المؤسسات المالية العربية من مجابهة التحديات؛ ينبغي ألا تعيش أسيرة الماضي متهيبة للمستجدات ورافضة للتغيير، وإلا تصبح عرضة للتهميش والزوال ولن تستطيع منافسة المؤسسات المالية الأكثر مرونة سواء داخلياً أو خارجيا.ً لقد تغير العالم فجأة ولا يمكن إرجاع أزمات المنافسة المتلاحقة التي تواجهها الأنظمة المالية حالياً إلى عوامل فترات الركود الاقتصادي المؤقتة، كما لا يمكن تصور دورات اقتصادية كما كانت من قبل (ركود يتبعه انتعاش ثم ركود وهكذا)، كما أكدت البيئة التي نعيشها اليوم أنه لا يوجد وضع ثابت أو يمكن التنبؤ به بسهولة، وذلك بسبب انتعاش الأسواق أو التعديلات التي طرأت على طلبات العملاء أو التغيرات التقنية أو طبيعة المنافسة، ولأنه ـــ كما يقول مايكل همرن وجيمس شابي ـــ هناك ثلاث قوى وهي معروفة من قبل ولكن تغير تأثيرها كثيراً، وهي التي تدفع المؤسسات والشركات في الاتجاه الجديد. ونجد البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية سواء المصارف أو شركات التكافل أو حتى أسواق رأس المال، لا تزال بحاجة إلى فكر أكثر تخصصية في الأداء ومستشرف للاحتياجات الآنية والمستقبلية والسعي لمواكبة المستجدات بالسرعة اللازمة لتحقيق التنافسية، وعليه فإننا لا نرى بنوكا أو مؤسسات مالية إسلامية تندمج مع احتياجات المجتمع وتسعى إلى الدخول في قطاعات باتت هي الأكثر ضرورة وإلحاحا في مواجهة القصور الذي نشهده في الغذاء والماء والصناعات التابعة وما إلى ذلك، إضافة إلى احتياجات المنطقة للبنى التحتية. الفكر المالي الإسلامي لديه عقود جاهزة للمحافظة على التوازن في مخرجات الاقتصاد الكلي، ببساطة عقد السلم يناسب الاحتياجات الزراعية، والعالم الإسلامي بدأ يعاني أزمة غذاء بسبب عدم الاهتمام بالأولويات، والفوضى في استغلال الأراضي الزراعية وتحقيق التكامل، ناهيك عن الإحصائيات المرعبة للقادم في هذا الاتجاه، وعند إسقاط فقه المقاصد والأخذ بأبعاده ربما يكون الاهتمام بالزراعة وتحقيق التكامل في هذا الاتجاه من أهم الأولويات. ولا نستطيع إغفال الصناعة والصناعات التحويلية التي يلائمها تماما عقد الاستصناع، الذي لم أجد لغاية اللحظة إحصائية تفيدنا بمعدل استخدامه في التمويل الإسلامي المفعل اليوم ـــ بالرغم من أهميته، إضافة إلى احتياجات الدول الإسلامية إلى البنى التحتية وتطوير القائم منها من اتصالات، ومواصلات، وشبكات طرق، ومساكن، وتحلية مياه، إضافة إلى الكهرباء والطاقات البديلة .. كل ذلك وأكثر بحاجة إلى تفعيل الصكوك ليس على مستوى العقار فحسب، وإنما على مستوى إدارة السيولة ككل. وبالرغم من المبادرات الماليزية في هذا الاتجاه إلا أننا نجد ضرورة التفات المؤسسات في الجزيرة العربية وبلاد الشام والانتباه إلى التكامل التمويلي فيما بينها عبر التمويل الإسلامي كبديل رئيسي للاقتراض بالطرق التقليدية. إن تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص ـــ الأول ممثلا بالحكومات والثاني ممثلا بمؤسسات التمويل الإسلامي من مصارف وغيرها ـــ يستلزم خطوات مدروسة وخططا استراتيجية لتحقيق مفهوم الشراكة بين القطاعين. إن العولمة التي تكتسح العالم اليوم بوسائل الاتصالات الحديثة وتسارع الخطى تجاه تغيير مفاهيم النقد السائدة والتعامل بالنقد عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة، تحتم على المصارف الإسلامية الخروج من ضيق المرابحة إلى عالم أدوات التمويل الإسلامي الأكثر رحابة، وباتجاه تحقيق ثورة مبتكرة في عالم أدوات المصرفية الإسلامية وتحفيز ابتكار وهندسة المنتجات بما فيها مصلحة الصناعة ككل والمجتمع المحيط، طالما تنادت المؤسسات المالية الإسلامية بأنها ملتزمة تجاه المسؤولية الاجتماعية في مناطقها. المؤسسات المالية الإسلامية لن تتحول بهذه الاستراتيجيات أو المقترحات إلى مؤسسات خيرية كما يدعي البعض، بل ستتحول فعلا إلى مترجم حقيقي لأبعاد محددة في التمويل الإسلامي، وستبدأ رحلة التحول إلى محرك رئيسي لعملية تكاملية في الاتجاه الاقتصادي واستغلال كونها نقطة لحشد المدخرات إلى مركز للاستثمار الذكي والفاعل. سؤال التحدي اليوم في مواجهة مؤسسات التمويل الإسلامي والمؤسسات التكافلية وأسواق رأس المال الإسلامي وأدواتها: إلى أين أنتم ذاهبون؟ وما استراتيجياتكم القائمة؟ هل هي الاستراتيجيات القائمة على إدارة الأزمات ومواجهة المخاطر وانتظار المعايير الصادرة من المؤسسات الدولية لترجمتها بالخاتم الإسلامي، أم الإبداع في ترجمة الاقتصاد الإسلامي النظري إلى اقتصاد أكثر مبادرة وأخذا بزمام الأمور؟ لا نقلل من أهمية مخرجات المؤسسات المالية الإسلامية اليوم، ولكن ننتظر مزيدا في عالم متسارع يبحث عن البدائل، وهي فرصة قد لا تتكرر في المستقبل؛ إن لم نُحسن استغلالها سيفوتنا القطار ونبقى في دائرة التقليد والربحية القائمة على استبعاد المخاطر ما أمكن، دون النظر إلى أن الربح يتناسب طرديا مع الأخذ بالمخاطر. ربما تكون النظرة التكاملية والتخصصية فيما بين المؤسسات المالية الإسلامية هي بداية الطريق لنرى بديلا للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي، ولكن بالممارسة الإسلامية الفريدة وبعولمة أخلاقيات التعامل المالي الإسلامي وجعلها سفيرا عالميا عبر المؤسسات المالية الإسلامية لمرتكزات العدل في الإسلام وبقالب مؤسساتي يُحتّمه التعطش الواضح إلى أخلاقيات ممارسة في عالم المال اليوم. إن استراتيجية الابتكار والتوعية الشاملة هي ما تحتاج إليه صناعة المال الإسلامية في خططها القادمة، إضافة إلى يقيننا بأن الربح لا يعني مجرد تحقيق الثبات في مواجهة الأزمات، وإنما أن نلمس ذات يوم تنوعا في المنتجات بعدالة احتياجات المجتمعات التي توجد في المؤسسات المالية الإسلامية، وقد لا نُعفي هذه المؤسسات التي روجت لنفسها تحت مظلة الإسلام عدم تفعيل ترجمة أبعاد الاقتصاد الإسلامي في الواقع المعاش واستمرار اتهامات التقصير المدعومة بإثباتات إحصائية. فإن الطريق إلى انتعاش مستدام في المدى القريب طغت عليه حاليا ثلاثة اهتمامات رئيسية. وتشمل هذه تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة، وتدفقات رؤوس الأموال الكبيرة والمتقلبة التي يمكن أن تؤدي إلى تضخم أسعار الأصول، والتقلب المستمر في الأسواق المالية العالمية. ومع ذلك، في عديد من الاقتصادات الناشئة، ولا سيما في آسيا حيث أساسيات الاقتصاد الكلي القوية، سياسات مرنة، ونظم مالية قوية، وضعتنا في موقف أفضل للتنقل في عدم اليقين والتغير المستمر في المناخ المالي الحالي. وقد تم تحديد التمويل الإسلامي باعتباره واحدا من مجالات النمو المهم بالنسبة للأنشطة الوطنية الاقتصادية الرئيسية. وهي واحدة من أسرع القطاعات نموا في الساحة المالية العالمية. في حين أن التمويل الإسلامي قد لا يحل بمفرده جميع القضايا في النظام المالي العالمي التي أبرزتها في وقت سابق، وأعتقد أنه سيلعب دورا مهما في تعزيز مزيد من الاستقرار والمرونة الشاملة. وأظهرت دراسة صندوق النقد الدولي عام 2010، أن البنوك الإسلامية أسهمت في الاستقرار المالي والاقتصادي خلال الأزمة العالمية من عام 2008، كما فشل غيرها من المؤسسات المالية. التمويل الإسلامي يتطلب اعتماد المعاملات المالية حسب النشاط الاقتصادي الحقيقي، ومحمية من الاستفادة من الإفراط. وخلال الأزمة الأخيرة، والنمو في الأصول المصرفية الإسلامية والتمويل تضاعف في المتوسط؛ بأداء متميز مقارنة بتلك المؤسسات المالية التقليدية. وتستند معاملات التمويل الإسلامية إلى مبدأ تقاسم الأرباح وتقاسم المخاطر وذلك يتفق مع الشريعة. هذا هو المبدأ الأساسي للتمويل الإسلامي دعم العدالة والإنصاف. الحكم، وإدارة المخاطر والشفافية، وبالتالي التأكيد بقوة في الترتيبات، وتعزيز انضباط السوق في هذه العملية. على مدى العقد الماضي، ظل التمويل الإسلامي ينمو بمعدل متوسط قدره أكثر من 30 في المئة سنويا. وقد استفاد من هذا الأداء الرائع كثيرا عديد من الاقتصادات الوطنية، بغض النظر عن العقيدة أو العرق، أو من خلال تعزيز نمو كبير وزيادة فرص العمل. ويتضح هذا من خلال إصدار الصكوك، لا يزال التمويل الإسلامي يقدم نفسه كخيار تمويل قابل للحياة وقادر على المنافسة للحفاظ على النمو الاقتصادي القوي في آسيا. وتتبنى البلدان الآسيوية احتياجات التمويل الكبيرة في خطة على المدى الطويل. في ماليزيا، يبلغ مجموع التمويل المطلوب من دولارات الولايات المتحدة أكثر من 450 مليار دولار للتحول الاقتصادي خلال العقد القادم. وسيوفر هذا التمويل لمجموعة واسعة من المشاريع .. من الطاقة النووية إلى شبكة السكك الحديدية. ومن المتوقع أن يأتي الجزء الأكبر من التمويل من القطاع الخاص، مع الشركات المرتبطة بالحكومة والقطاع العام. وهناك عديد من الفرص لجمع الأموال من خلال مبادرة مركز التمويل الإسلامي الدولي ماليزيا MIFC، حيث يقدم نفسه كمركز لجمع الأموال. على سبيل المثال، يمكن لشركة أجنبية تشارك في ترتيب القرض في ماليزيا وإصدار الصكوك بالدولار الأمريكي، مع المستثمرين القادمين من جميع أنحاء العالم. ماليزيا تعمل كمركز مالي دولي حقيقي، يملك حق الوصول إلى مجموعة واسعة من اللاعبين والمستثمرين، مدعوما بحوافز ضريبية كبيرة. ويمكن أيضا جمع الأموال من خلال إنشاء صناديق الأسهم على أساس التمويل الإسلامي. #3# كانت هناك زيادة في عدد من الافتراضات التي تنطوي على عدد من الصكوك في الصناعة المالية الإسلامية في جميع أنحاء العالم، لكن عنصرا مهما في نظام المنشأة المالية الإسلامية على المستوى العالمي هو إطار تسوية المنازعات، وهو أمر حاسم لتوفير الضمانات الضرورية وتعزيز الثقة بالنظام، وخاصة في حالة وجود تقصير أو أزمة في المعاملة. كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز عملية تسوية المنازعات الصناعية، في حين أن البنوك الإسلامية أثبتت مرونتها أثناء الأزمة العالمية، وقد أثر النقص في المعروض من الصكوك الإسلامية في الإدارة الفاعلة للسيولة داخل البنوك الإسلامية. وأنا أعلم أنه قدم اقتراح منذ أكثر من عام لتشكيل آلية للدعم عبر الحدود مع إدارة السيولة، من أجل تعميق وتوسيع صناعة التمويل الإسلامي العالمية. وقد بدأ هذا الاقتراح من قبل قوة العمل عالية المستوى بشأن إدارة السيولة، التي أنشأها المجلس الإسلامي المالي لمجلس الخدمات. لا شك أن قطاع الصيرفة الإسلامية هو الأكثر تناغما مع معتقدات واحتياجات العملاء من الأفراد والشركات،  ذلك لأنه يعد الأكثر التصاقاً بهذه الاحتياجات والخدمات مثل الودائع والتمويل والاستثمارات وخصم الأوراق التجارية وغيرها، التي تم تكييفها لتتفق مع الشريعة الإسلامية. وتشهد الصناعة المصرفية الإسلامية نمواً سريعاً على امتداد العقود الأربعة الماضية، حيث لم يكن هناك قبلها سوى مصرف إسلامي واحد، بينما يقارب عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية العاملة في أكثر من 60 دولة في القارات الخمس نحو 450 مؤسسة ومصرفا إسلاميا حول العالم. يتركز نحو 40 في المئة منها في الدول العربية وتحديداً في دول الخليج العربي، وقد توسعت قاعدة موجودات هذه المصارف والمؤسسات المالية لتزيد على 700 مليار دولار عام 2008. ومن المتوقع أن يصل حجم أصول وودائع هذه المصارف إلى تريليون دولار في عام 2012، وهي تنمو بمعدل سنوي وسطي يراوح بين 15 و20 في المئة، هذا بدون الأخذ بعين الاعتبار النوافذ الإسلامية التقليدية وصناديق الاستثمار الإسلامي التي بلغ عددها في مارس 2008 نحو 500 صندوق، ومن المتوقع أن يصل عددها إلى 1000 صندوق بحلول عام 2010. تشير تقارير الخبراء إلى أن الأصول المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية المعدة للاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأقصى وصلت إلى 267 مليار دولار، نتيجة للتوسع الاقتصادي القوي وارتفاع الإنفاق الحكومي والمستوى المرتفع للسيولة النقدية. وهذا يؤدي إلى توفير عائدات كبيرة لصناعة إدارة الأصول الإسلامية تقدر بنحو 1.34 مليار دولار. وتشكل حصة دول مجلس التعاون الخليجي منها نحو 90 في المئة من إجمالي الأصول لمجموع المصارف الإسلامية في الدول العربية، وأن السعودية تشكل حصة نسبتها 49.5 في المئة من إجمالي حصة دول المجلس، والإمارات نحو 20 في المئة، ثم الكويت نحو 17.4 في المئة من هذه الأصول، والبحرين نحو 11 في المئة. وتبلغ قاعدة حقوق المساهمين للمصارف الإسلامية العربية 32.7 مليار دولار، مما يشير إلى مواصلتها تعزيز قواعدها الرأسمالية لمواجهة نشاطها وحجم أعمالها المتزايد. وتشير كافة الأرقام أعلاه إلى أن الصناعة المصرفية الإسلامية باتت تحظى بقبول واسع عربيا وإسلاميا وعالميا، حيث يتسابق عديد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا على فتح الأبواب أمام تأسيس المصارف الإسلامية، علاوة على إصدار الصكوك الإسلامية للاستفادة من السيولة الكبيرة المتوافرة لدى البنوك الإسلامية. لقد جاءت الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وما نجم عنها من تداعيات خطيرة على النظام المالي العالمي، وتأثر عديد من المؤسسات المالية في المنطقة بهذه الأزمة، لتؤكد مجددا سلامة المبادئ التي تقوم عليها الصناعة المالية الإسلامية؛ كونها تمتلك عديدا من المقومات التي تحقق لها الأمن والأمان وتقليل المخاطر مثل الأمانة والمصداقية والشفافية والبينة والتيسير والتعاون والتكامل والتضامن، فلا اقتصاد إسلاميا بدون أخلاق ومثل. وتحقق هذه المنظومة من الضمانات الأمن والأمان والاستقرار لكافة المتعاملين، وفي الوقت نفسه تحرم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على الكذب والمقامرة والتدليس والغرر والجهالة والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم، ومن المقومات الرئيسية أن النظام المالي والاقتصادي الإسلامي يقوم على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة وعلى التداول الفعلي للأموال والموجودات، كما حرمت الشريعة الإسلامية نظام المشتقات المالية التي تقوم على معاملات وهمية يسودها الغرر والجهالة. والجميع يرى أن هذه المقومات تعطي ثقة أكبر بالنظام المالي الإسلامي، وتزيد الإقبال على خدماته ومنتجاته كما هو واضح من معدلات نمو الصناعة المصرفية الإسلامية، لذلك فإن الأزمة المالية العالمية الراهنة تمثل فرصة تاريخية للقطاع المالي الإسلامي ليثبت جدارته ونجاحه في مواجهة الأزمات، وأن يمثل ملاذا آمنا لرؤوس الأموال والاستثمارات العربية والإسلامية وغير الإسلامية. إن الاقتصاد المالي الإسلامي يمكن أن يسهم في علاج هذه الأزمة من خلال عدة نقاط، منها تعديل أسلوب التمويل العقاري، ليكون بإحدى الصيغ الإسلامية، ومنها أسلوب المشاركة التأجيرية، إضافة إلى ضبط عملية التوريق لتكون لأصول عينية وليس للديون، وهو ما يتم في السوق المالية الإسلامية في صورة صكوك الإجارة والمشاركة والمضاربة، أما الديون فيمكن توريقها عند الإنشاء ولا تتداول، وهو ما يتم في السوق المالية الإسلامية بصكوك المرابحة والسلم والاستصناع، التي يزيد حجم التعامل بها رغم حداثتها على 180 مليار دولار وتتوسع يوما بعد يوم وتتعامل بها بعض الدول الغربية. إن الأزمة المالية العالمية سوف تسهم في تعزيز الثقة بقوة في النموذج المالي الإسلامي وقدرته على الاستدامة، حيث أظهرت تلك الأزمة قدرة هذا القطاع على البقاء بعيدا عن أزمات الأسواق العالمية، وتجنب مشكلات الديون المتعثرة التي عانت منها الأسواق المصرفية التقليدية، لذلك يتوقع أن يكون هناك إقبال أكبر خلال المرحلة المقبلة على المنتجات المالية الإسلامية ومنها الصكوك المالية المدعومة بالأصول، خاصة إذا ما توجهت الحكومات العربية والإسلامية لهيكلة تمويل المشاريع الضخمة في بلدانها من خلال إصدار مثل تلك الصكوك، لتتم تغطيتها من خلال البنوك الإسلامية. سوف لن يقتصر النمو في قطاع البنوك الإسلامية فحسب، بل سوف يطول قطاع التأمين المتوافق مع الشريعة الإسلامية، أو ما يطلق عليه "التكافل"، حيث بدأ عديد من الشركات بما فيها شركات التأمين الأجنبية في توجيه اهتمامها إلى الدول الإسلامية وعلى رأسها دول الخليج العربي. ونمت المنتجات التأمينية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بمعدل سنوي بلغ 20 في المئة في السنوات الأخيرة. ويتوقع أن يبلغ حجم السوق التأمينية الإسلامية 7.4 مليار دولار بحلول عام 2015 بعد أن كانت قد بلغت ملياري دولار فقط في عام 2006. ومعها يتوقع أيضا تأسيس شركات إعادة تأمين تكافلي متوافقة مع الشريعة الإسلامية لمواصلة التطور الناجح لسوق التكافل. كما يتوقع أن تلاقى المصارف الإسلامية مزيدا من الإقبال من المجتمعات غير المسلمة من أنحاء مختلفة، ويعود ذلك إلى شفافيتها وقيمها ومستوى خدماتها، إضافة إلى بقاء أسعار النفط عند مستويات مرتفعة نوعا ما، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع التدفق النقدي وتمويل المشاريع، وبالتالي زيادة الطلب على طرق الاستثمار الإسلامية، حيث إن المصارف الإسلامية لا تواجه تحديات كثيرة، خصوصا تلك التي ربطت نموذج أعمالها بأنشطة مكشوفة مباشرة على التقلبات العالمية مثل العقارات والاستثمارات العالمية. كما أن المؤسسات المالية الإسلامية لم تكن بمنأى كلية عن تداعيات الأزمة، خاصة تأثرها بشح السيولة في الأسواق والضغوط المتصاعدة على سوق العقار في دول مجلس التعاون الخليجي، وحركة التصحيح الحادة في أسواق الأسهم الإقليمية، وبعض الاستثمارات التي قامت بها المؤسسات المالية الإسلامية في شركات وعقارات أمريكية أو أوروبية. إن البنوك الإسلامية، حالها حال البنوك التقليدية تقف اليوم في مواجهة تحديات معايير "بازل 2" على صعيد تقوية مواردها الرأسمالية واتباع مزيد من الشفافية والالتزام بالقواعد والمعايير المصرفية العالمية، خاصة معايير الحوكمة، علاوة على تنوع المخاطر في بيئة العمل، وإدخال الوسائل التكنولوجية الحديثة وتصاعد المنافسة بفعل تحرير الأسواق، والتعامل مع جميع ذلك في إطار مبادئ العمل المصرفي الإسلامي، كما توجد حاجة ماسة ودائمة  إلى تطوير الكوادر البشرية، مع توسيع صناعة المصرفية الإسلامية، ليس فقط على المستوى الإقليمي وإنما على المستوى العالمي أيضا، حيث إن هناك شعورا حقيقيا بأن هناك نقصا في الكفاءات البشرية، خاصة في الجوانب المتصلة بالفتاوى التي تختص بهذه الصناعة، وهذا يدعو إلى التأكيد على مسألة التدريب والتوسع فيه على المستويين المحلي والدولي. وأخيرا، فإن على المصارف الإسلامية أن تفتح أبوابها أمام المساهمين، وإعادة استثمار الأموال المتأتية من الاكتتاب العام في التوسع في أسواق جغرافية جديدة، وتعزيز رؤوس أموال الوحدات القائمة وافتتاح مزيد من الفروع وتحديث البنية التقنية والبشرية، لتستوعب مزيدا من المتعاملين لاستمرارية ونجاح هذا القطاع وتلبية احتياجات المستثمرين بالجودة المرجوة والعائد المناسب والمخاطر المقبولة.
إنشرها

أضف تعليق