أقدم اقتصاد إسلامي ينزلق إلى الهاوية

أقدم اقتصاد إسلامي ينزلق إلى الهاوية
أقدم اقتصاد إسلامي ينزلق إلى الهاوية

أكد ياسر علي السلمان، الخبير في الاقتصاد الإسلامي، أن انفصال جنوب السودان ستكون له آثار كبيرة في تجربة أقدم اقتصاد إسلامي، وقال السلمان في حوار مع ''الاقتصادية'': ''إن الأثر المباشر على ميزانية شمال السودان للعام 2011 يتمثل في خروج الإيرادات النفطية من الخزانة المركزية، التي تعتمد على نحو 60 في المائة من إيراداتها على العائدات النفطية الواردة من جنوب السودان؛ مما يؤثر سلبا في حجم الاحتياطيات من النقد الأجنبي لشمال السودان، حيث تعتبر المورد الرئيس للعملات الأجنبية لخزانة الشمال، وهو ما سيؤدي - حسب رأيه - إلى ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني''.
ويقول السلمان: ''إن انفصال جنوب السودان لديه أيضا تداعياته على الأمن الوطني السوداني من حيث احتمالية تضعضع التجربة المالية الإسلامية في السودان في حال ازدهار الوضع الاقتصادي في الجنوب والانفتاح الاقتصادي هناك؛ ما يؤدي إلى هروب كثير من رؤوس الأموال السودانية إلى الجنوب، في وقت سيمنح فيه المال السوداني الأولوية للاستثمار''.

‎#2#

ويرى السلمان، أن هذا الانفصال سيحرم السودان من جزء كبير من موارده البشرية ومن الأرضي الزراعية والغابات والثروة الحيوانية والسمكية، حيث يوجد في جنوب السودان مساحات واسعة من الأراضي الخصبة للزراعة، إضافة إلى وفرة المياه والمرعى للثروة الحيوانية. ويتوقع أن يؤثر الانفصال في زيادة تكلفة الصادرات السودانية بشقيها الحيواني والنباتي لارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية بسبب زيادة سعر صرف الدولار وقلة العرض من خلال القنوات المصرفية الرسمية؛ مما يفقد الصادرات السودانية قدرتها التنافسية أمام مثيلاتها من السلع ذاتها في الأسواق العالمية.
ويشير السلمان في هذا الإطار إلى تصريحات الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان الخاصة بمياه النيل، الذي قال: ''إن جنوب السودان ستكون الدولة رقم 11 في حوض النيل''، وهذا يعني تجدد المخاوف؛ كون ذلك التصريح يدعو إلى إعادة توزيع حصص المياه في ضوء الواقع الجديد والمطالبة بتعديل اتفاقيات حوض النيل، إضافة إلى مخاوف أخرى قد تحدث في انضمام الجنوب إلى دول المنبع بحكم صلاته معها في مواجهة دول المصب ''مصر وشمال السودان'' وبانفصال جنوب السودان وتكوين دولته ستكون الدولة الجديدة ضمن منظومة دول حوض النيل، وبالتالي سيكون لها نصيب مشروع من مياه النيل واقتسام حصة السودان البالغة 18 مليارمترمكعب لإقامة المشروعات الزراعية لسد الاحتياجات الغذائية لشعب جنوب السودان. إلا أن بروتوكول تقسيم الثروة باتفاق نيفاشا الموقع بين حكومة الجنوب والحكومة المركزية أعطى جميع صلاحيات مياه النيل للحكومة المركزية في الشمال افتراضا بأن خيار الوحدة هو الخيار الأول.

الديون ومياه النيل
وعلى مستوى قطاع البنوك، يتوقع السلمان ''أن يتأثر أيضا من خلال الانخفاض المحتمل في حجم الصادرات والواردات؛ مما قد يؤثر في أرباح البنوك لفقدانها بعض فرص التمويل لخطوط التسهيلات وتمويل الصادرات والواردات.
أما فيما يخص الديون الخارجية، فيقول: ''ستكون أحد إفرازات الانفصال، حيث يتمسك قادة جنوب السودان بعدم الالتزام بدفع نصيبهم من الديون الحالية في حال الانفصال، وعليه، في حال عدم ممارسة الضغوط على حكومة الجنوب من قبل المجتمع الدولي بتحمل نصيبه من الديون الحالية سيشكل ذلك عبئا ثقيلا على حكومة الشمال والذي سيضاعف من أزماته الاقتصادية الناتجة عن انفصال الجنوب.

فقدان ثلث الطاقة الإنتاجية
في الإطار نفسه يرى المهندس عبد العظيم علي، الخبير في الشؤون الزراعية، أن تأثيرات الانفصال سjتجاوز موضوع النفط إلى ما هو أهم، ويقول في هذا الخصوص: ''لا يتوقف تأثير انفصال جنوب السودان عن شماله فقط في عائدات النفط، التي تزيد نسبة مشاركتها على 80 في المائة من إيرادات البلاد، لكن التأثير يمتد ليشمل فقدان ثلث سكان البلاد كطاقة إنتاجية بشرية، ويتجاوز التأثير ذلك ليشمل فقدان نحو ربع مساحة البلاد (نحو 700 ألف كيلومترمربع) بما فيها من كنوز في باطن الأرض من معادن مثل (الحديد والنحاس واليورانيوم)، كما أن المساحة المفقودة جميعها صالحة للزراعة من جملة مساحة البلاد المقدرة بـ (2.5 مليون كيلومترمربع)، ومساحة الجنوب المفقودة ستكون خصما من جملة الأراضي الصالحة للزراعة والمقدرة بـ 200 مليون فدان (الفدان = 4.200 مترمربع)، إضافة إلى ثروات حيوانية طائلة''.
ويقترح عبد العظيم، جملة من الحلول؛ لتفادي هذه التأثيرات، قائلا: ''أهم الحلول لتفادي التأثير السلبي للانفصال تتمثل في تفادي الأسباب التي دفعت سكان الجنوب إلى وصم الدولة في شمال السودان بأنها دولة فاشلة، الأمر الذي دفعهم للهرب من هذا الفشل باختيار الانفصال''، ويضيف: ''الهرب من هذا الفشل لم يتوقف على سكان الجنوب فقط، بل يشمل جميع الفصائل التي رفعت السلاح في وجه الدولة، ويمتد ليشمل أولئك المهاجرين في سبيل لقمة العيش التي لم يجدوها في سلة غذاء العالم العربي (أكبر مساحة للفرد من الأراضي الصالحة للزراعة، وأطول أنهار العالم ومعدلات عالية من الأمطار)، ويعتبر علي، أن معالجة الجانب المعنوي ذات أهمية كبيرة، بل هي من أهم مقومات الإنتاج والنمو، ويكون ذلك - كما يرى - بتحقيق العدالة في توزيع الثروة وإتاحة فرص العمل أمام الشباب، وإعلاء قيمة العمل، وفتح باب الأمل المفقود، والاهتمام بالإنسان في جانب معنوياته وتأهيله وتوفير احتياجاته، ويشير إلى أن ذلك من ضمان نجاح أي دولة أو استراتيجية أو مشروع، ويترتب على العكس الفشل لا محالة.
ويضيف قائلا: ''يتبع الاهتمام بالإنسان ضرورة إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق، ويجب أن يكون الاهتمام بالقطاعات المنتجة، وأولها الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، والصناعة، والتركيز على الصناعات التحويلية قبل الصناعات الثقيلة''.
ويختتم قائلا: ''لا يوجد اثنان يختلفان في ثراء السودان، لكن الحقيقة - رغما عن ذلك - أنها تصنف كدولة فقيرة'' والفقر - كما يرى - هو نتيجة سياسات خاطئة في إدارة الموارد الشحيحة، والاقتصاد يعرفه أهله (أنه فن إدارة الموارد المحدودة)، فمهما كانت الموارد كبيرة، تظل محدودة، وتحتاج إلى حسن إدارة؛ فالقطاعات المنتجة يمكن أن توفر مداخيل يصرف منها على الأمن، لكن لا يمكن أن يكون العكس صحيحا''.

الأكثر قراءة