لا لغياب العرب أو تغييبهم

لا لغياب العرب أو تغييبهم

في الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خلال اجتماع اللجنة الوزارية المنبثقة من الجامعة العربية لبحث المسألة العراقية يوم أمس في قصر المؤتمرات في جدة دعا الفيصل إلى الإسراع لجمع كافة الفرقاء العراقيين تحت مظلة جامعة الدول العربية بغرض الوصول إلى إجماع وطني عريض بشأن الدستور وضمان مشاركة جميع الفئات العراقية في العملية السياسية على أن يسبق ذلك قيام الأمين العام لجامعة الدول العربية بزيارة للعراق للتشاور مع الأطراف المعنية في هذا الخصوص. هذه الدعوة تترجم موقفا سعوديا تاريخيا بالدرجة الأولى ظل على الدوام حريصا على الحفاظ على النظام العربي في إطار من الاتفاق والتوافق على قواسم مشتركة يقرها الجميع، كما أن الدعوة تترجم في الوقت نفسه تطلعا عربيا رسميا وشعبيا لمساعدة العراق وعدم تركه عرضة لرياح مسمومة تهب عليه في مسعى منها لإشعال نيران فتنة كبرى طائفية وزج العراق بالتالي في حرب أهلية مخاطرها أمنيات المتربصين بالعراق وأفقه العربي الدوائر إلى خلط الأوراق لنزوات ما عادت من بضاعة هذا الزمن ولا من الأساليب التي يقرها عصرنا الراهن في مسعاه لصيانة حرمة الشعوب والأمم والحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته وحريته كائنا من كان. الذين كانوا يحرضون على الدفع بالعرب والزج بهم للدخول كأطراف في مناوشات التقاتل والنزاعات والسجالات الساخنة على الصعيد السياسي كانوا يمنون أنفسهم بإشعال المنطقة ككل ودفع جميع الأطراف إلى مصائر مجهولة. وهو ما فوتتها عليهم القيادات وعلى رأسها القيادة السعودية، فقد تعاملت مع الشأن العراقي بسداد بصيرة وحكمة استثمرت فيها علاقاتها المحترمة مع العالم، ومع أمريكا وبريطانيا بشكل خاص للخروج بالعراق من محنته عبر الطرق الدبلوماسية ومراعاة مطالب جمع الفرقاء على الساحة العراقية. وفي الوقت نفسه الوقوف مع الشعب العراقي المنكوب بالاحتلال وأعمال العنف والإرهاب في تقديم المساعدات الإنسانية بكافة السبل الشرعية الممكنة. ولن يضير السعودية أن يطلق أحدهم لسانه للنيل من المواقف المشرفة للسعودية قيادة وشعبا مع شقيقها العراق ليس اليوم والبارحة بل طوال تاريخه الحديث، من منطلق قناعات جوهرية تشمله بالأرومة العربية والإسلامية علاوة على جيرة هي أثيرة عند القيادة كما هي عند الشعب السعودي.
وحين يقول الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي: إن التاريخ لن يغفر لمن استثمروا مأساة العراق فلكي يؤكد أن الشعب العراقي سيظل سيد نفسه وغير قابل لأن يؤخذ عنوة إلى سيادات أخرى خارج حقيقته التاريخية بتآلف أطيافه وأعرافه ودياناته رغم محاولات دفعه إلى الطائفية والتشرذم وأن ما ينتظره الطامعون فيه غير قابل للتحقق حتى ولو بدا كذلك، لأنه لا يصح إلا الصحيح وهو أن العراق لأهله رغم المأساة التي يرزح تحت أثقالها ويبقى أن استثمار هذه المأساة ضرب من مغالطة كل الحقائق التاريخية والاجتماعية، سوف تبوؤ بفشل ذريع يجلل أصحابها بعار لن يغفره لهم التاريخ.. ولهذا، أوضح وزير الخارجية السعودي، أنه أضحت عملية وضع استراتيجية ذات أبعاد متعددة ومستويات مختلفة للتحرك العربي لمساعدة العراق للخروج من هذا المأزق أمرا أكثر إلحاحا من ذي قبل وأنه لابد من تكثيف الجهود والعمل بالسرعة التي يتطلبها الموقف وبالتالي فإنه لا بد من رؤية جديدة من التعامل مع ملف الأزمة العراقية فقد آن الأوان لأن تنتهي حالة الغياب والتغييب للمسارات العربية بخصوص الوضع في العراق، تلك كلمات لا تحتاج إلى إعراب ولا إلى مزيد من التوضيح لأنها رفعت المسؤولية إلى درجة الطوارئ في إطارها العربي بلا استثناء وأن المسارات العربية ينبغي أن تكون حاضرة على نحو لا لبس فيه، مسلحة برؤى تسهم بها في تكوين رؤية عربية جديد مطلوبة بشكل ملح اليوم لحل الأزمة العراقية ما يتطلب مزيدا من الجهود المكثفة ومستويات مختلفة من التحرك توظف فيها الأطراف العربية جميع إمكانياتها وقدراتها لمساعدة العراق الشقيق وتجنيبه شرور حرب أهلية حذر وزير الخارجية السعودي من أن نذرها أخذت تتضح معالمها يوما بعد يوم.
ولا شك أن مهام جسيمة تنتظر الأمين العام لجامعة الدول العربية في زيارته المقررة للعراق، نجاحها سيكون بمثابة أول خيط في نسيج الاستراتيجية التي أشار إليها وزير الخارجية السعودي من أجل إنقاذ العراق من محنته والأخذ به إلى بر السلام.

الأكثر قراءة