لا أمان

لا أمان

في شباط (فبراير)، تعهد قادة الاتحاد الأوروبي باتخاذ ''إجراءات حاسمة ومنسقة'' لحماية اليونان من التخلف عن سداد الديون السيادية ومنع مشكلاتها من التأثير في بقية منطقة اليورو. وبعد أسابيع من ذلك، لا يزال السياسيون أنفسهم يناقشون كيفية تلبية هذا التعهد.
والحاجة إلى الوضوح أكثر إلحاحا الآن. فيجب على اليونان إعادة تمويل نحو 20 مليار يورو (27 مليار دولار) من الديون التي تستحق الدفع في نيسان (أبريل) وأيار (مايو). وارتفع العائد على سندات الحكومة اليونانية لمدة عشر سنوات إلى 6.3 في المائة هذا الأسبوع، وهو هامش بواقع ثلاث نقاط مئوية أكثر من السندات الألمانية. وانخفض اليورو إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار لمدة عشرة أشهر بعد أن تعرضت البرتغال، وهي دولة مضطربة أخرى في منطقة اليورو، لتخفيض درجتها.
ويشاع أنه سيتم إنشاء صندوق لإنقاذ اليونان بقيمة 25 مليار يورو، ويبدو أن وزراء منطقة اليورو الآن أكثر حماسا لفكرة المساعدة من صندوق النقد الدولي. وقد يكون هذا كافيا لتهدئة الأسواق وتمكين اليونان من تجديد ديونها. لكنه سيكون حلا مؤقتا فقط. فإصلاح المالية العامة لليوان سيستغرق سنوات عديدة، ما يعني أن الحاجة ستبرز إلى صندوق إنقاذ أكبر كي تتجنب اليونان التخلف عن السداد.
ويجب أن تبقي الحكومة اليونانية اقتصادها مستقرا إلى حد ما وتتبع في الوقت ذاته تشديدا ماليا كبيرا. وتضطر الدول التي تريد الحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي عموما إلى الخضوع لتخفيضات وحشية في الإنفاق العام، ما يعمق الركود. وللتصدي لهذا التأثير، ينصح صندوق النقد الدولي عادة بإضعاف العملة. ولكن مع الأسف، هذا الخيار غير متاح لليونان, فسعر الصرف فيها مع شركائها التجاريين الرئيسيين ثابت بما أنها في منطقة اليورو. ولا تستطيع اليونان تخفيض قيمة العملة، لذا فهي في حاجة إلى مزيد من الوقت للتكيف، أي مدة أطول من السنوات الثلاث التي اتفقت عليها مع شركائها في الاتحاد الأوروبي- وفي حاجة أيضا إلى شبكة أمان أكبر في الوقت الذي تفعل فيه ذلك.
ولكن ما مدى حجمها؟ يقترح تحليل الإيكونوميست أن الرقم هو 75 مليار يورو بدلا من 25 مليار يورو. ومن المرجح أن تحتاج اليونان إلى خمس سنوات لتخفيض عجزها إلى أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقا لتوقعات الإيكونوميست، سترتفع دفعات الفائدة من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 8.4 في المائة في ذلك الوقت، ما يعكس التكلفة الأعلى لإصدار ديون جديدة ولإعادة تمويل الديون القديمة. وستكون هناك حاجة إلى تخفيضات أخرى في الميزانية لتعويض ذلك. وتعتقد الإيكونوميست أن على الحكومة اليونانية زيادة رصيد الميزانية ''الأولي'' (أي باستثناء دفعات الفائدة) بواقع 13.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي لتخفيض عبء ديونها. ومن المتوقع أن يكون لهذا تأثير في النمو. وتفترض توقعات الإيكونوميست أن يكون الناتج المحلي الإجمالي الاسمي أقل بنسبة 5 في المائة بحلول عام 2014.
وهذا بالضرورة تحليل مبسط، يتطلب بعض الافتراضات الشجاعة (التي قد يكون بعضها لطيفا جدا). ويعتمد تقدير مدى حجم عملية الإنقاذ التي قد تحتاج إليها اليونان على افتراض بطولي: أن مستثمري القطاع الخاص سئموا من السندات اليونانية لكنهم سيستمرون في تجديد الديون القائمة إذا كانت أموال الإنقاذ تغطي الاقتراض الجديد للدولة. وتوحي توقعات الإيكونوميست أن اليونان ستدير ديونا إضافية بقيمة 75 مليار يورو بحلول عام 2014، وبحلول ذلك الوقت ستستقر ديونها عند 153 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا الرقم دليل تقريبي لحجم المساعدة المالية التي قد تحتاجها اليونان. وقد يكون هذا كثيرا جدا حتى بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي الذي انهمر عليه المال في الآونة الأخيرة. ويقول Laurence Boone من Barclays Capital أنه كي يضمن الصندوق حصته من عملية إنقاذ لاتفيا، وسع ''حصة'' الدولة 12 ضعفا، وحصة الدولة هي المبلغ الذي تسهم به الدول الأعضاء في خزائن الصندوق. ولضمان 75 مليار يورو، يجب أن يوفر الصندوق نحو 40 ضعف حصة اليونان إذا تم اقتسام التكاليف مع الاتحاد الأوروبي.
ويقول المتفائلون إن الطلب على السندات اليونانية سينتعش مع انخفاض عجز ميزانيتها واستعادة الثقة. وليس هناك نظرية تقول إن المستثمرين سيتسامحون مع ديون بنسبة 113 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (معدل اليونان عام 2009)، في حين سيحجمون عن أي نسبة أعلى. ويبلغ إجمالي الدين العام لليابان نحو 200 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي وليس هناك دلائل كثيرة على الاشمئزاز. إلا أن اليابان هي الدولة الوحيدة المصدرة للسندات السيادية بالين، في حين أن اليونان هي الدولة الأقل جدارة ائتمانية من بين عدة دول تعرض سندات اليورو. واليابان دولة دائنة يمكنها الاعتماد على المدخرين المحليين، في حين أن اليونان دولة تعاني عجزا وتعتمد على مستثمرين ''غير مستقرين''، كما يقول Thomas Mayer من بنك Deutsche.
إن السندات اليونانية جذابة بسبب عائداتها السخية. وإذا ظل هامش أسعار الفائدة قريبا من 3 في المائة، فسيحقق مشتري السندات الألمانية لمدة عشر سنوات الذي يحتفظ به حتى موعد الاستحقاق ثلاثة أرباع العائد فقط الذي يمكنه تحقيقه على السندات اليونانية المماثلة. وبالنسبة إلى المستثمرين الجريئين، فإن مثل هذه الفجوة ضمان واسع ضد خطر عدم تمكن اليونان من سداد كل ما وعدت به. ويعتقد آخرون أن الجائزة ربما لا تستحق المقامرة. وتشكل عملية إعادة هيكلة الديون، التي يضطر فيها حملة السندات إلى ابتلاع الخسائر، ''خطرا كبيرا'' إذا طالت فترة الركود في اليونان أكثر، كما يقول Marco Annunziata من UniCredit. وقد يستنتج منقذوها المحتملون أن إلقاء المال على دولة ضعيفة، إن لم تكن مسرفة، لا يزال أرخص طريقة لمنع انتشار المشكلات. إلا أن الفاتورة المحتملة لعملية إنقاذ اليونان تبدو أكبر مما يفترض كثيرون