جدار من الشك

جدار من الشك

شبّه الإسرائيليون المتشائمون الحدث بدخول اللصوص في الليل. فحين التقى بنيامين نتنياهو ومساعدوه باراك أوباما في البيت الأبيض في 23 آذار (مارس)، منع الرئيس أي تغطية إعلامية - ولا حتى صورة سريعة - في المكتب البيضاوي. ولا يبدو أن اللقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أسفر عن المصالحة التي كان يأمل السياسيون من كلا الجانبين حدوثها بعد أسبوعين من التشهير الغاضب بين واشنطن والقدس.
وكان شكل الاجتماع غريبا بقدر سريته المبالغ فيها, فبعد أن جلس الزعيمان وحدهما لمدة ساعة ونصف، عقد نتنياهو اجتماعا مغلقا ''لاستشارة'' مستشاريه، قبل أن يعود لاستكمال المناقشة لمدة نصف ساعة أخرى. فهل قرر أوباما، الذي يستمتع الآن بنجاحه التاريخي في إقرار إصلاح الرعاية الصحية، مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي الفصيح من خلال تحديه صراحة على تحديد سياسته بشأن السلام مع الفلسطينيين - والتراجع عن القضية المثيرة للجدل المتمثلة في بناء منازل يهودية في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، التي يعدها الفلسطينيون عاصمة دولتهم المحتملة؟
وبرزت الحاجة إلى مثل هذا الوضوح بسبب مشروع بناء إسرائيلي آخر في القدس الشرقية، الذي تم الإعلان عنه قبل ساعات فقط من اللقاء في البيت الأبيض. وهناك تكهنات في إسرائيل بأن أحدهم نشر خبر هذا المشروع قبل الأوان، الذي هو تحت الإنشاء منذ فترة طويلة، من أجل ''عرقلة نتنياهو'' ثانية، حين كان على وشك الاجتماع برئيس أهم حليف لإسرائيل.
واندلعت الأزمة في العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية قبل أسبوعين، حين تم الإعلان عن بناء 1600 منزل لليهوديين في القدس الشرقية تماما في الوقت الذي كان فيه نائب الرئيس جو بيدن، يزور القدس. وقدم نتنياهو اعتذارا مثيرا للاشمئزاز بسبب التوقيت السيئ، لكنه رفض إلغاء القرار. والضاحية المعنية، Ramat Shlomo، هي إحدى الضواحي اليهودية العديدة التي تم بناؤها منذ عام 1967 في القدس الشرقية، حيث يعيش 250 ألف يهودي إسرائيلي الآن.
وهذا المخطط الأخير أصغر بكثير- 20 وحدة فقط - لكنه أكثر إثارة للاستفزاز, ففي حين أنه تم بناء Ramat Shlomo على نتوء صخري على الطرف الشمالي من البلدية الإسرائيلية، يشمل المخطط الجديد وضع عشرات العائلات الاستيطانية اليهودية في فندق في ضاحية الشيخ جراح العربية المزدحمة بالسكان، بالقرب من المدينة القديمة. ويؤكد نتنياهو أن سياسته في البناء في القدس لا تختلف عن سياسة جميع من سبقوه منذ عام 1967، حين غزت القوات الإسرائيلية المدينة بكاملها. وقال للمندوبين البالغ عددهم سبعة آلاف في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأمريكية المؤثرة، وهي جماعة ضغط موالية لإسرائيل، في واشنطن في 22 آذار (مارس): ''لقد كان الشعب اليهودي يقوم بالبناء في القدس قبل ثلاثة آلاف عام. والشعب اليهودي يبني القدس اليوم, فالقدس ليست مستوطنة، بل عاصمتنا''. وهو يشتكي سرا بأن أوباما يضايقه دون مبرر. إلا أن المسؤولين الأمريكيين يشتكون سرا أن نتنياهو يظهر عكس ما يخفي. ويشيرون إلى أن اثنين من أسلافه، هما إيهود باراك (1999 ـ 2001) وإيهود أولمرت (2006 ـ 2009)، تفاوضا مع الفلسطينيين بشأن خطة سلام للقدس اقترحها الرئيس بيل كلينتون، الذي اقترح تقاسم السيادة على المدينة بحسب المناطق: تحصل إسرائيل على السيطرة على المناطق المأهولة باليهود فيما تحصل فلسطين على المناطق المأهولة بالعرب. وبموجب الاقتراح، سيكون ''الحوض المقدس'' في الوسط، بما في ذلك المقدسات الدينية، تحت السيادة الدولية أو الإلهية.
ويصر أوباما الآن على معالجة قضية القدس، إلى جانب غيرها من القضايا الجوهرية في الصراع، مثل مسألة إعادة رسم الحدود وعودة اللاجئين التي يطالب بها الفلسطينيون، في ''محادثات التقريب'' التي يحاول بدءها بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهو يأمل أن تؤدي إلى استئناف المفاوضات المباشرة التي توقفت منذ فترة طويلة. ويريد أوباما أيضا سلسلة من ''خطوات بناء الثقة'' لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. وتشمل تلك الخطوات إطلاق سراح سجناء فلسطينيين وتفكيك حواجز الطرق العسكرية الإسرائيلية التي تصعب حياة الفلسطينيين والتجارة في الضفة الغربية. ويقول نتنياهو إنه لا يستطيع تلبية هذه المطالب لأن حلفاءه على الطرف القومي والديني من تحالفه الحاكم سيتمردون إن فعل ذلك.
إلا أن فريق أوباما لم يعد على استعداد لقبول هذا العذر باعتباره سببا معقولا. وشعر بعض المراقبين في واشنطن أن خطاب نتنياهو للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأمريكية لم يعط اهتماما كبيرا لأوباما، وأنه تجاهل إصرار الرئيس على أن أي محادثات جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن تتناول مباشرة القضايا الكبيرة، مثل تغيير الحدود. وقال رئيس الوزراء: ''يمكن للولايات المتحدة بالطبع أن تساعد الأطراف على حل مشكلاتها, ولكنها لا تستطيع حل مشكلات الأطراف. ولا يمكن فرض السلام من الخارج''.
وقد لمّح بعضهم أنه ربما تمت كتابة خطاب نتنياهو قبل النصر الذي حققه أوباما في مجال الرعاية الصحية في مجلس النواب في الليلة السابقة. وقيل إن موظفي البيت الأبيض يشعرون بالاستياء من سعادة نتنياهو الواضحة حين كان يبدو أن مستويات تأييد أوباما على الصعيد السياسي في تراجع.
وفي الواقع، واجه نتنياهو صعوبة كبيرة في الحفاظ على تماسك تحالفه. فقبل مغادرته إلى واشنطن، قام هو ووزير خارجيته القومي المتطرف، Avigdor Lieberman، وكلاهما من اليهود العلمانيين، بإقناع أغلبية مجلس الوزراء بقبول مطالب اليهود الأرثوذكس المتطرفين بأن تتم نقل غرفة طوارئ جديدة في أحد المستشفيات، بتكلفة عالية، لأن موقعها المقرر في السابق ربما يضم قبورا يهودية قديمة. وهدد حزب أرثوذكسي متطرف، وهو شريك مهم في التحالف ويتولى إدارة وزارة الصحة، بالانفصال إلا إذا تم ذلك.
وأعقب ذلك موجة من الغضب العام. وفي واشنطن، اضطر نتنياهو إلى التراجع عن طريق إنشاء لجنة ''لإعادة النظر'' في قرار مجلس الوزراء. لكنه يفضل في الوقت الراهن التوصل إلى تسوية مع شركائه الأرثوذكس أكثر من النظر في الاحتمالية التي يفضلها فريق أوباما، وهي التخلي عنهم واختيار حزب كاديما الأكثر واقعية الذي ترأسه تسيبي ليفني. ورفضت ليفني الانضمام إلى التحالف مع نتنياهو بعد أن فازت بمعظم المقاعد في الانتخابات العامة قبل عام، وأحد أسباب ذلك هو رفضه التفاوض على القدس.

العالم يتحالف ضدك
وكما لو أن نتنياهو لم يتعرض لما يكفي من الإحراج بسبب التوبيخ الواضح من أوباما، تعرض أيضا لإحراج آخر حين ندد وزير الخارجية البريطاني، David Miliband، علانية بإسرائيل لقيامها بتزوير 12 جواز سفر بريطانيا تم استخدامها في كانون الثاني (يناير) في اغتيال أحد قادة حماس في فندق في دبي. وطُلب من أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين في لندن، الذي يعتقد أنه عضو في الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجي، مغادرة البلاد.
وراقب الفلسطينيون بابتهاج قيام اثنين من الحلفاء الرئيسيين لإسرائيل بتوبيخها. وفرحوا أيضا بالإدانة شديدة اللهجة لخطط البناء الإسرائيلية في القدس الشرقية من قبل لجنة صنع السلام الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة). وكانت محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي قد قالت في وقت سابق إنه لا يجب منح المنتجات الإسرائيلية المصنوعة في مستوطنات في الضفة الغربية رسوما جمركية تفضيلية في الاتحاد الأوروبي.
وردد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مطالب أوباما بتجميد الاستيطان في القدس الشرقية، لكنه يخشى أيضا من أن يتم وضعه في موقف صعب ثانية إذا رضخ الأمريكيون في هذه القضية، كما فعلوا من قبل. علاوة على ذلك، يشعر عباس بالقلق أيضا من أن يخرج العنف بين المتظاهرين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، الذي زاد في الأسابيع القليلة الماضية، عن السيطرة. وقد تم أخيرا قتل أربعة فلسطينيين بالرصاص في الضفة الغربية. وحتى الآن، تتعاون القوات الفلسطينية والإسرائيلية بشكل فاعل لاحتواء الاضطرابات. ومع ذلك، يخشى القادة الفلسطينيون اندلاع انتفاضة أوسع نطاقا، ما سيجعل استئناف المحادثات ثانية أكثر صعوبة.
وقد يكتفي بعض الفلسطينيين بتأكيد من قبل إسرائيل بوقف بناء المستوطنات في القدس الشرقية أثناء انعقاد المحادثات، إلى جانب وعد إسرائيلي بالتفاوض على الحدود والأمن على الفور. لكن من غير المرجح أن يخاطر عباس بإعادة بدء المحادثات دون موافقة الجامعة العربية المكونة من 22 دولة. ومن المقرر أن تعقد قمة الجامعة العربية في ليبيا، التي يحرص زعيمها، معمّر القذافي، على حضور حركة حماس الإسلامية المنافسة لعباس القمة- وهي وصفة أكيدة لعرقلة خطة تسوية لاستئناف المحادثات