بحث فاشل

بحث فاشل

إذا لم تحدث مصالحة، وهو أمر غير محتمل، من المؤكد تقريبا أن تنسحب ''جوجل'' بحلول نهاية آذار (مارس) من الصين، المكان الذي نجحت فيه تجاريا لكنها فشلت في إقناع السلطات بأن معلوماتها يجب أن تكون حرة. ويأتي هذا الرحيل غير المتوقع بعد عدة محاولات لاختراق نظام رسائلها الإلكترونية، والرقابة الأكثر صرامة على عمليات البحث التي تجريها، والشكاوى القانونية المرتبطة برقمنة الكتب، والنقد اللاذع ـ مصدر القلق الدائم في الصين ـ في الصحافة التي تسيطر عليها الدولة.
وإذا كانت ''جوجل''، التي كانت أول مرة أشارت فيها إلى احتمالية الانسحاب في كانون الثاني (يناير)، قد ترددت في طريقها للخروج، فهناك 400 مليون سبب لذلك. فهذا هو عدد الأشخاص في الصين الذين تعتقد الحكومة أنهم يستخدمون الإنترنت. فهم يفضلونه بصورة متزايدة على وسائل الإعلام الأخرى، خاصة التلفزيون، كمصدر للترفيه والمعلومات والآراء، كما يقول Max Magni وYuval Atsmon من شركة McKinsey الاستشارية. وقد زادت عائدات الإعلانات الرقمية خلال العقد الماضي بصورة ملحوظة، وإن كان من قاعدة صغيرة، ويتوقع Atsmon أن يستمر هذا الاتجاه لبعض الوقت.
وسرعان ما رأت الشركات الأجنبية العاملة في الصين هذه الفرصة لكنها لم تتمكن بشكل عام من انتهازها. فمواقع Facebook وTwitter وYouTube محجوبة علانية. وتعثرت EBay بسبب أخطائها الإدارية، لكن أيضا بسبب تأخير الموافقة على نظام PayPal للدفع عبر الإنترنت، الذي أعلن هذا العام شراكة مع شركة صينية أخرى منافسة. وأثارت ''ياهو'' الضجة حين سمحت للسلطات الصينية بالبحث في الرسائل الإلكترونية لمستخدميها بحثا عن المعارضين السياسيين ـ وهو أمر تعهدت منذ ذلك الحين بعدم القيام به.
وهناك الآن بدائل صينية محلية لكل تلك المواقع ـ Baidu بديلا لـ ''جوجل''، Taobao بديلا لـ eBay، Renren بديلا لـ Facebook، QQ بديلا للرسائل الفورية والألعاب والتواصل الاجتماعي ـ وكلها ناجحة. وتجلب حركة المرور الكبيرة التي تجتذبها إيرادات محتملة ضخمة وكثير من البيانات المفيدة التي تساعدها على تشكيل الإنترنت في المستقبل، بدلا من اتباع النماذج الغربية فقط، كما يقول Duncan Clark، رئيس شركة BDA China الاستشارية.
وبقدر ما استطاعت الشركات الغربية انتهاز نمو الإنترنت في الصين، كانت غالبا أداة تسويقية. وتستشهد McKinsey بمثالين: روجت شركة نستله للقهوة في دولة يحب سكانها الشاي بدعايات ذكية على الإنترنت حول فرحة استراحة تناول القهوة، وشغلت ''نوكيا'' دعايات ومسابقات موسيقية، يتم الوصول إليها من خلال هواتفها المحمولة، بالاشتراك مع مواقع الفيديو.
ويصبح من الأصعب الحصول على عائدات كبيرة من الإنترنت في السنوات المقبلة، حيث بدأت الصين باتخاذ مزيد من الخطوات للسيطرة على الاتصال بالإنترنت. وكان مزودو المحتوى، مثل ''جوجل''، في حاجة دائما إلى الحصول على تراخيص محلية، وبالتالي كانوا ملزمين بأن تكون لهم شركة فرعية صينية أو شريك صيني. وعلى الرغم من غرابة ذلك، إلا أن هناك قواعد جديدة توسع نطاق هذه القيود، حيث تتطلب ترخيص أسماء النطاقات، وربما المواقع الأجنبية أيضا.
ويرسل رحيل ''جوجل'' رسالة مخيفة للشركات التي لا تزال هناك. ويدرك المعلنون والعمال أنهم سيكونون أفضل حالا مع كيانات تفضلها الحكومة الصينية، أي شركات محلية. والانسحاب سيلقي أيضا ضوءا جديدا على ''جوجل'' نفسها, فغالبا ما ينظر إليها على أنها ناجحة بسبب التكنولوجيا المتقدمة، لكن كما تظهر الصين، لا تزدهر إلا في الحدود التي تسمح لها القوانين المحلية بربط المحتوى وتوزيعه دون تدخل. وتغيير البيئة القانونية والنتائج التجارية أمران مختلفان تماما