صافرة النهاية لطفرة إيرادات البث .. الفائز واحد

صافرة النهاية لطفرة إيرادات البث .. الفائز واحد

منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى عشية تفشي جائحة كوفيد، كانت كرة القدم تشهد طفرة طويلة الأمد. فقد أدى الارتباط المثالي بين التلفزيون المدفوع والبث الحي لكرة القدم في أوائل التسعينيات إلى جلب مبالغ هائلة من المال إلى هذه الرياضة، وعلى مدى العقود الثلاثة التالية، في كل مرة تعرض فيها حقوق البث للبيع في المزاد، كان العرض الفائز أعلى من العرض الفائز الذي سبقه.
عندما فازت شبكة سكاي لأول مرة بحقوق البث المباشر الحصرية لكرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز في 1992، كلفتها 38 مليون جنيه استرليني لكل موسم. وبعد سبعة مزادات، دفعت 1.8 مليار جنيه استرليني لكل موسم للفترة 2016-2019، أي زيادة 40 ضعفا. كانت القصة نفسها في أوروبا، وسرعان ما أصبح هذا المصدر الموثوق والخالي من الجهد لنمو الإيرادات افتراضا ضمنيا في تخطيط أندية كرة القدم.
لكن بعد ذلك ضربت الجائحة وأعادت شبكات البث تقييمها. ومنذ 2020، لم تبلغ أي صفقة على الحقوق التلفزيونية المحلية مستوى قياسيا جديدا لأي من الدوريات الإنجليزية أو الإسبانية أو الألمانية أو الإيطالية أو الفرنسية الكبرى، حتى من حيث القيمة الاسمية.
لا تنخدع بالسعر المرتفع على أحدث حزمة من الدوري الإنجليزي الممتاز. فكما يشير المحلل المالي لكرة القدم كيرون أوكونور، ربما تكون شركات البث البريطانية قد دفعت أكثر بقليل من المرة السابقة، لكنها حصلت على حقوق بث 67 مباراة إضافية مقابل أموالها.
إن هذه التفاصيل مثيرة للقلق على نحو مضاعف. أولا، هذا يعني أن الدوري الإنجليزي الممتاز لم يعد مربحا كما كان من قبل، لكن ثانيا، وبشكل يهدد وجودية نظام كرة القدم الإنجليزية الأوسع، فإنه يثير احتمال رفع الحظر عن تغطية مباريات كرة القدم في إنجلترا المقامة الساعة الثالثة أيام السبت.
تمنع القاعدة حاليا عرض كرة القدم الحية على التلفزيون البريطاني بعد ظهر السبت، وهي الفترة الزمنية التي تلعب فيها الأغلبية العظمى من الفرق المحترفة الصغيرة في الدولة أمام الجماهير التي يعد إنفاقهم على المباريات شريان حياتها.
إذا عرض مزاد مستقبلي للدوري الإنجليزي الممتاز حقوق بث القائمة الكاملة المكونة من 380 مباراة - بما فيها مباريات الساعة الثالثة - لدعم الإيرادات، فقد يأتي ذلك على حساب بقاء الأندية الصغيرة في الدولة.
لكن في حين أن مخاوف إنجلترا، في الوقت الحالي، هي في الغالب مجرد "ماذا لو"، فإن الضرر يظهر فورا عند البطولات الكبرى الأخرى في أوروبا. فوفقا للأرقام الصادرة عن شركة فوتبول بنشمارك الاستشارية، تم الاتفاق على تخفيضات تراوح بين 5 و20 في المائة لأحدث صفقات حقوق البث في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، فيما أظهرت إسبانيا زيادة ضئيلة عن الحزمة السابقة لكنها لا تزال أقل مما كانت قبل ذروة الجائحة.
وما يزيد من مشكلاتهم حقيقة أن الدوري الإنجليزي الممتاز قد اكتسب شعبية في الولايات المتحدة. ومع أن حقوقه المحلية قد تتعثر، إلا أن دوري الدرجة الأولى في إنجلترا يحصل حاليا على 1.8 مليار جنيه استرليني لكل موسم مقابل حقوق البث خارج الدولة، من ضمنها 333 مليون جنيه استرليني من الولايات المتحدة. وهذا يتفوق بشكل كبير على منافسيه الأوروبيين، ويشكل جزءا أساسيا من أفضليته بحصوله على ملياري جنيه استرليني كل موسم متفوقا على أقرب منافس له في إيرادات البث السنوية.
تفسر فجوة كهذه سبب تلقي نادي نورويتش سيتي، عندما أنهى الموسم في المركز الأخير في الدوري الإنجليزي الممتاز 2021-2022، على إيرادات بث لمبارياته في الدوري أكثر من بايرن ميونخ أو إيه سي ميلان أو باريس سان جيرمان، أبطال ألمانيا وإيطاليا وفرنسا.
إن قوة الجذب التي يتمتع بها الدوري الإنجليزي الممتاز كبيرة للغاية لدرجة أن فريقي برشلونة وريال مدريد فقط في أوروبا حققا أموالا من مباريات الدوري المتلفزة أكثر من الفريق الإنجليزي صاحب المركز الأخير، ونتيجة لذلك تجد أكبر الأندية في القارة نفسها الآن تزايد على الانتقالات وتلقى منافسة ليس فقط من الفرق العمالقة، بل حتى من الفرق الأصغر في الدوري الإنجليزي الممتاز.
والشعور العام الذي يستشفه المرء هو أن الضغوط المالية في الإيرادات مقبلة لتحل محل ثلاثة عقود من مد صاعد رفع جميع قوارب كرة القدم برفقة بيئة يحصل فيها الفائز على كل شيء، والدوري الإنجليزي الممتاز الذي يتميز بتنافسية عالية ويتم تسويقه بخبرة هو الفائز الواضح.
في إنجلترا ربما يعرض ذلك الأندية الإنجليزية الصغيرة للخطر. وفي خارجها، فإن هذا يعرض المنافسة الحيوية في البطولات القارية للخطر، ولن يؤدي ذلك إلا إلى فرض ضغوط أكبر على الأندية والبطولات الأوروبية الأخرى التي أصبحت عوائد البث الدولي شحيحة لها.
لكن رغم أن المشكلة أصبحت واضحة على نحو متزايد، فإن الحل ليس واضحا. فحتى لو اعتقد أحد أن الدوري المزعوم، "السوبر ليج" الأوروبي، سيكون تطورا إيجابيا (لا أعتقد أنه سيفعل)، فإن أغلبية الأندية المرتبطة أصلا بالفكرة عارضتها بقوة منذ ذلك الحين.
لأضعها في استعارات، هذه المرة يعرف الضفدع أنه في وعاء من الماء المغلي، لكن سبل الهرب الوحيدة أمامه هي المقلاة والنار.

الأكثر قراءة